استمع إلى الملخص
- التحديات التي تواجه المستشفى المعمداني: يعاني المستشفى من نقص الأدوية والمعدات الطبية، مما يضطر الأطباء للعمل لساعات طويلة وتأجيل بعض الحالات المرضية.
- الجهود المبذولة لمواجهة الأزمة: يجري المستشفى حوالي 500 عملية جراحية شهرياً، وتم تطوير أقسام جديدة لاستيعاب المرضى، لكن الوضع الصحي يبقى كارثياً بسبب التدمير الممنهج للمرافق الصحية.
خرجت جميع مستشفيات شمالي قطاع غزة عن الخدمة منذ 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، ولم يتبق منها سوى المستشفى المعمداني، في حين تعمل 9 مستشفيات فقط في كامل أنحاء القطاع من أصل 36 مستشفى.
بات المستشفى الأهلي العربي المعروف باسم "المعمداني" في وسط البلدة القديمة من مدينة غزة، المكان الوحيد تقريباً الذي يقصده المرضى والمصابين في محافظتي غزة والشمال لتلقي الرعاية الصحية بعد خروج بقية المستشفيات والمراكز الطبية عن الخدمة عقب تعرضها للقصف والتدمير خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
يكتظ محيط المستشفى بالمواطنين وسيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى، ونُصبت خيام طبية داخل ساحة المستشفى الذي تعج أقسامه بالمرضى والجرحى ومرافقيهم، ويعمل قلة من الأطباء والمسعفين كخلية نحل على مدار الساعة، لعلاج الجرحى. يتكرر هذا المشهد اليومي في مستشفى المعمداني بعدما تحوّل من مستشفى صغير يقدم خدماته في تخصصات محددة، إلى مركز الثِقل الطبي في محافظتي غزة والشمال، إذ يستقبل يومياً عشرات الجرحى والمرضى، ما يجعله يعمل بقدرة استيعابية تفوق الإمكانيات والمستلزمات الطبية المتوفرة.
يتبع المستشفى "المعمداني" الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في مدينة القدس، ويُعد من أقدم مستشفيات قطاع غزة، إذ تأسس في عام 1882، وهو يعاني حالياً نقصاً حاداً في الكوادر الطبية المتخصصة، وكذا الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يهدد استمرار تقديم الخدمات، وخصوصاً إجراء العمليات الجراحية في عدّة تخصصات، أبرزها العظام.
وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة مروعة في المستشفى المعمداني، حين قصفت طائراته ساحته التي كانت تؤوي آلاف النازحين، ما أسفر عن استشهاد العشرات، وإصابة مئات آخرين. ولم تكن هذه الغارة الأولى على المستشفى، لكنها كانت الأكثر دموية، إذ استهدفته طائرات الاحتلال في 15 أكتوبر 2023، ما أدى إلى إصابة أربعة من الكوادر الطبية، وتضرر بعض الأقسام.
يُجري المستشفى المعمداني قرابة 500 عملية جراحية شهرياً
وطُوّرت عدة أقسام في المستشفى، من بينها الطوارئ، والجراحة، وجراحة العظام، والعمليات، والولادة، والعلاج الطبيعي، والحروق، والمختبر، والأشعة، فضلاً عن العيادات الخارجية.
داخل قسم الاستقبال والطوارئ، يعمل الطبيب بهاء الجرجاوي، وهو يتنقّل بين أسرّة المرضى والجرحى لمتابعة حالاتهم الصحية، وسط ضجيج عشرات المواطنين الذين داخل القسم. يقول لـ"العربي الجديد": "أبرز معضلة نواجهها هي صغر مساحة المكان، إضافة إلى عدم توفر الإمكانيات لتقديم خدمات متكاملة، إذ لا يتسع القسم لأعداد المصابين والجرحى الذين يترددون يومياً لتلقي العلاج. الأعباء على عاتق قسم الطوارئ، وعلى المستشفى ككل، تفوق الطاقة المتاحة، ما يجعل تقديم الخدمات أقل من المستوى المطلوب".
ومع النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، تطول طوابير انتظار المواطنين لتلقي العلاج. ويوضح الجرجاوي: "يتم تقديم الأدوية المتوفرة للحالات الأكثر احتياجاً، ونضطر لتأجيل بعض الحالات المرضية، ما قد يُسبب لديها مضاعفات في بعض الأحيان. أقسى ما نتعرض له خلال العمل هو عدم توفر مُعدات بسيطة داخل القسم، مثل أجهزة قياس السكر أو الضغط أو الأكسجين لتقييم حالة المريض. هذه كوارث على المستوى الطبي في أوقات الحروب".
ويلفت إلى أن "عدد ساعات العمل في الطوارئ طويلة جداً، وقد تصل إلى 48 ساعة، وربما تزيد وفقاً لطبيعة الأوضاع الميدانية. نضطر أحياناً لمواصلة العمل بعد انتهاء الدوام بسبب كثرة الإصابات القادمة نتيجة ارتكاب الاحتلال مجزرة في منطقة ما. كثرة الأعباء التي يتحملها الطبيب تفقده الكثير من أولويات الحياة الاجتماعية، عدا عن الخطر الحقيقي الذي يهدد حياته خلال الرحلة من وإلى المستشفى".
في قسم الأوعية الدموية الذي يعجّ بالمصابين أيضاً، يعمل الطبيب عمرو الجذبة، المختص بجراحة الأوعية الدموية على مدار الساعة، في محاولة للحفاظ على حياة المصابين والمرضى. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه يواجه صعوبات كبيرة في العمل تتعلق بضعف الإمكانيات ونقص الأدوات الطبية اللازمة، ما يُعرض كثير من المرضى للموت.
يضيف الجذبة: "تزداد الأوضاع صعوبة حين يرتكب جيش الاحتلال مجزرة جديدة، ما يسفر عن وقوع إصابات كثيرة تصل إلى المستشفى في وقت واحد. في هذه الحالة، نعمل على تقسيم الحالات حسب درجة الخطورة من أجل إنقاذ أكبر عدد ممكن. لكننا نعاني بسبب النواقص، وتشمل أبرز المستلزمات المفقودة صواني الأوعية الدموية الواجب توفرها في كل عملية جراحية، وأجهزة فحص الشرايين وإزالة الجلطات، والتي دمرها جيش الاحتلال في مجمع الشفاء الطبي في 16 مارس/آذار الماضي، وبالتالي نضطر إلى فحص المريض يدوياً. يُضاف إلى ذلك النقص الحاد في الكوادر الطبية المتخصصة في محافظتي غزة والشمال، كما أن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية ينعكس سلباً على حياة المرضى، ويرفع أعداد الشهداء".
وينبّه إلى أنّ "غالبية الإصابات التي تصل إلى المستشفى ناجمة عن القصف الإسرائيلي، وهي تطاول كل أنحاء الجسد. جيش الاحتلال يستخدم أسلحة فتاكة ضد المدنيين، ونسعى لإنقاذ حياة المرضى رغم كل المخاطر التي نتعرض لها خلال العمل، ونأمل أن ينظر العالم إلى أطباء قطاع غزة كونهم يؤدون دوراً يفوق الطاقة البشرية".
بدوره، يقول الحكيم حمدالله سويدان، إنه جرى تحويل الكنيسة المُقامة داخل ساحة المستشفى إلى قسم باطنة لاستقبال المرضى. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا القسم أصبح الوحيد الذي يستقبل مرضى الباطنة في كامل شمال غزة بعد إغلاق مجمع الشفاء الطبي ومستشفيي كمال عدوان والإندونيسي. نعمل بطاقة تفوق قدرتنا الاستيعابية، وأحياناً نستقبل نحو 300 حالة يومياً، في حين أن القسم يضم 17 سريراً فقط للمبيت، ومن أبرز الصعوبات التي يواجهها الأطباء والحكماء نقص كميات الأكسجين، إذ يحتاج القسم يومياً إلى عشرة أنابيب، في حين أن المتوفر ثلاثة أنابيب فقط، ما يدفعهم لتصنيف الحالات وفقاً للأكثر احتياجاً".
ويقول مدير مستشفى المعمداني، الطبيب فضل نعيم، لـ"العربي الجديد"، إن "المستشفى تخصصي، وهو صغير نسبياً، ويتكون من طابقين، ولم تكن تتجاوز سعته السريرية 50 سريراً، وكان يقدم خدمات محددة مثل الجراحة العامة وجراحة الأطفال، والعظام، والمسالك البولية، والعلاج الطبيعي، والحروق، والنساء والولادة. في الحروب السابقة، كان المستشفى يؤدي دوراً تكميلياً في تغطية بعض التخصصات، خاصة جراحة العظام، لكنه أصبح الوجهة الأساسية لكل مواطني شمال قطاع غزة بعد خروج بقية المستشفيات والمنشآت الطبية عن الخدمة".
ويبيّن نعيم: "بات المستشفى المعمداني يُقدم خدمات جراحة التجميل، والأوعية الدموية، والصدر، والوجه والفكين، وتخصصات أخرى مثل العيون، والأنف والأذن والحنجرة، إضافة إلى قسم الطوارئ الذي يُعتبر الأكبر حالياً على مستوى شمال قطاع غزة. السعة السريرية للمستشفى بعد إجراء التوسعة وصلت إلى 100 سرير في كل الأقسام، في حين تصل أعداد حالات المبيت إلى 150 مريضاً، عدا عن حالات أخرى تُعطى إذناً علاجياً، ليصل العدد الإجمالي إلى 200 مريض وجريح، وقد جرى تحويل المكتبة إلى قسم استقبال، واضطررنا إلى نصب خيام طبية لمبيت المرضى في الساحة ضمن محاولات تخفيف الأزمة".
ويُجري المستشفى قرابة 500 عملية جراحية في كل التخصصات شهرياً رغم أنه يواجه نقصاً حاداً في كل الأدوية والمستلزمات، وفي الكوادر الطبية المتخصصة. ويقول مديره: "نعيش على شفا حفرة في كل لحظة مع احتمال توقف خدمات المستشفى. نواجه الأزمات عبر ترشيد استهلاك المستلزمات الطبية، وتصنيف الحالات الأكثر خطورة، إضافة إلى الاستعانة بأطباء عامين ومتخصصين من الخريجين الجدد، وهذا يُعالج بعض المشكلة ولا يُنهيها بالكامل".
يتابع: "من بين المشكلات الرئيسية عدم توفر أسرّة كافية في قسم العناية المركزة، والذي يضم ثلاثة أسرّة فقط، وبالتالي هناك مرضى محكوم عليهم بالموت لعدم وجود أسرّة. الواقع الصحي في قطاع غزة كارثي في أعقاب تعمد الاحتلال التدمير الممنهج للمستشفيات والمراكز الطبية ضمن حرب الإبادة التي يشنها على القطاع".
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فقد استشهد أكثر من 1000 طبيب وممرض وكادر صحي منذ بدء العدوان، واعتقل أكثر من 310 آخرين، كما يتواصل منع إدخال المستلزمات الطبية والوفود الصحية والأدوية والوقود إلى قطاع غزة.