غالباً ما لا تذكر السلطات الأمنية العراقية، في الأرقام التي تصدرها عن ضحايا العنف الأسري، أية تفاصيل عن الضحايا، باستثناء أماكن وقوع الحوادث في مختلف محافظات البلاد، التي سجلت العام الماضي نحو 15 ألف حالة عنف كانت ضحيتها نساء (زوجة، إبنة، أخت، زوجة الأخ، الأم) في الغالب. لكن مسؤولين في وزارة الداخلية العراقية ومحامين يؤكدون أن العدد الحقيقي أكبر بكثير من المعلن بسبب عدم تمكن الكثير من ضحايا العنف والاعتداءات والحرمان المُتعمد من الوصول إلى مركز الشرطة أو الجهات المسؤولة وطلب المساعدة، لأسباب كثيرة منها عدم القدرة على الخروج من المنزل أو عدم توفر وسيلة تواصل سهلة.
ويغيب الحديث عن ضحايا العنف من النساء المعوّقات. عام 2020، اغتصبت امرأة من ذوات الإعاقة البصرية والسمعية في محافظة كركوك على يد عنصرين ينتميان لأحد الفصائل المسلحة، ما سلط الضوء على العنف الذي تعاني منه هذه الشريحة، والذي لا ترصده وسائل الإعلام والمنظمات المعنية كما يجب.
ويظهر آخر مسح صادر عن وزارة التخطيط أن نحو مليون و200 ألف أسرة تضمّ شخصاً من ذوي الإعاقة على الأقل، بينهم 580.342 امرأة بمعدل أعمار 24 عاماً. ويقول مسؤول رفيع المستوى في وزارة الداخلية إن "النساء المعوّقات أكثر عرضة للعنف والاعتداء بسبب وجود فرص أكبر للجاني للإفلات من العقاب". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "قلة يتمكنّ من الوصول إلى مراكز الشرطة أو التقدم بشكوى في المحكمة، بسبب تعذر وصولهن أو انعدام وسائل إيصال الشكاوى، وعدم قدرة مراكز الشرطة على التعامل مع هذه الحالات". يتابع أن "بعض اللواتي يعانين من متلازمة داون على سبيل المثال، أو ذوات الإعاقة السمعية والبصرية، يتعرضن لاعتداءات من أشخاص يفترض أنهم مقربون منهن. وعادة ما تكون حالات الاعتداء من أشخاص يفترض أنهم من داخل حلقة الثقة المحيطة بالعائلة". ويلفت إلى جود فقرات في القانون العراقي رقم 111 لسنة 1969 لتشديد العقوبات عندما يكون الضحية من الأشخاص ذوي الإعاقة أو يعاني من اضطرابات نفسية. لكن المشكلة تكمن في وصول الضحايا إلى مرحلة الكشف عن العنف الذي تعرضوا له.
في هذا السياق، تروي إيمان عبد الله (32 عاماً) قصة شقيقتها التي تعرضت للعنف على يد زوجها. تقول: "كان قرار الموافقة على تزويجها عام 2020 خلال ذروة تفشي جائحة كورونا، على الرغم من إصابتها بنوبات صرع وعدم قدرتها على النطق، بمثابة إعدام لها. أخيراً، أقدمت على الانتحار في إحدى المدن القريبة من العاصمة بغداد، ما أدى إلى إصابتها بحروق بليغة". تضيف أن شقيقتها كانت تتعرض للعنف والتنمر منذ الأسبوع الأول لزواجها من قبل أهل زوجها وزوجها الذي عمد إلى ضربها من دون أن يعلم أحد من أفراد الأسرة، كونها تسكن في مدينة أخرى.
تتابع: "أراد أهلي تزويجها للتخلص من عبء فتاة من ذوي الإعاقة. كما أن الرجل وافق على الزواج منها علماً أنه متزوج من اثنتين قبلها". وتشير إلى أن "قرار إقدامها على الانتحار كان بدافع التخلص من الحياة التي فرضت عليها، فسكبت النفط على ملابسها وأشعلت النار، لكن شقيق زوجها أطفأ النار ما أدى إلى إصابتها بجروح وتشوهات كبيرة في جسدها. ثم طلقها زوجها وعادت مرة أخرى إلى منزل والدي". وتعتبر عبد الله أن حالة شقيقتها واحدة من آلاف حالات العنف الأسري ضد النساء المعوّقات، علماً أنه يمكن حمايتهن من خلال زيادة توعية المجتمع وتأمين الوسائل للتقدم بشكاوى إلى الجهات المعنية".
خلال الفترة الماضية، أطلق مركز كوثر للمرأة العربية للتدريب والبحث في تونس تطبيقاً على الهواتف الذكية هو الأول من نوعه ويحمل اسم "SafeNess"، للنساء من ذوات الإعاقة السمعية والبصرية. ويقول الناشط في محافظة البصرة جنوبي العراق عادل الفتلاوي لـ "العربي الجديد"، إن "مثل هذه التطبيقات يمكن أن تنقذ حياة ضحايا لا يستطيعون طلب النجدة. لكن في بلد مثل العراق، يجب أن تكون هناك آلية استجابة من قبل أجهزة الشرطة لأي نداء يصل عبر التطبيق الإلكتروني، لأنّ الهاتف الساخن المخصص أصلاً لمثل هذه الحالات بالكاد تتم الإجابة عليه، وخصوصاً بعد انتهاء الدوام الرسمي".
ويشير الفتلاوي إلى "ضروة تشريع قوانين مشددة وتوعية المجتمع والأشخاص ذوي الاعاقة على حقوقهم، وتغيير بعض العادات والتقاليد التي تعتبر هذه الفئة عبئاً أو مشكلة في المناطق الريفية والقروية".
استغلال واتجار
إلى ذلك، تحذّر الباحثة الاجتماعية ساهرة حبيب من أن النساء المعوّقات في العراق "غالباً ما يتعرضن للعنف، أو الاعتداء، أو الإهمال، أو المعاملة السيئة من العائلة والمجتمع". تضيف أن "المشكلة الأساسية تكمن في إمكانية استغلالهن والاتجار بهن واغتصابهن بسهولة، الأمر الذي دفع عائلات كثيرة إلى فرض قيود صارمة بحقهن، كمنع خروجهن من المنزل".
من جهته، يقول المحامي حيان الخياط لـ "العربي الجديد" إن "القانون العراقي يعتبر التحرش فعلاً إجرامياً يُعاقب مرتكبه بالحبس مدة لا تزيد عن 3 أشهر وغرامة لا تزيد عن 200 ألف دينار عراقي (130 دولارا أميركيا) أو بإحدى هاتين العقوبتين. وبالنسبة للضرب (الإيذاء)، فإن كل من وقع منه اعتداء أو إيذاء خفيف لم يترك أثراً على جسم المجني عليها فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر. وفي حال ترك أثراً على جسد المجني عليها أي أن هناك تقريرا طبيا يؤكد وجود ضرر واضح، فيعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وغرامة مالية لا تزيد على مليون دينار عراقي (نحو 800 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين". ويرى الخياط أنه يمكن تشديد هذه العقوبات (يشار إلى أنها تخضع للسلطة التقديرية للقاضي ويمكنه أن يأخذ بها أو لا يأخذ بها) في إطار النص القانوني الذي يتحدث عن تشديد العقوبات في حال عجز المجني عليه عن المقاومة أو في ظروف لا تمكن الغير من الدفاع عنه، وهي غالباً ما تنطبق على الأشخاص ذوي الإعاقة.
تنمّر وعنف جسدي
في هذا الإطار، تقول الناشطة العراقية إيناس العزاوي إن "حالات الاعتداء على الأشخاص ذوي الإعاقة لها أشكال عدة، أبرزها التنمر والعنف الجسدي من قبل الأقرباء وأحياناً من عائلة المعوق الصغيرة. وغالباً ما لا تسجل هذه الحوادث بسبب عدم تقديم شكاوى". وتؤكد أن "النساء المعوّقات في العراق منسيات تماماً، وغالباً ما لا يُلحقن في المدارس. وتكتفي بعض العائلات بتعليمهن الأساسيات في البيوت، ما يجعلهن في جهل غير مدركات لما يدور من حولهن". تتابع العزاوي أن "وحدات رصد في منظمات محلية معنية بمتابعة شؤون المرأة وحقوقها، عادة ما تتمكن من رصد اعتداءات على نساء معوّقات. لكن للأسف، لا تعترف الضحية بالاعتداء حين يتم التواصل معها، على الرغم من التطمينات التي تمنحها المنظمات لها". وتشير إلى وجود "حاجة حقيقية للنظر بحقوق هذه الشريحة، الأمر الذي يقع على عاتق السلطات العراقية، وأولها الأمنية التي من المفترض أن تراقب حالات الاعتداء على النساء المعوّقات".
إلى ذلك، يقول مدير عام الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية العراقية بالعاصمة بغداد، العميد غالب العطية، لـ "العربي الجديد": "من واجب الشرطة المجتمعية منع حالات العنف، وإرشاد العائلات العراقية بشأن الابتعاد عن استخدام كل أشكال العنف. على الرغم من ذلك، نلاحظ استمرار حالات العنف وتصاعدها". وفي ما يتعلق بالعنف ضد النساء المعوّقات، يوضح العطية أن "هذه الاعتداءات غير الإنسانية تسجل، لكنها بطبيعة الحال تبقى أقل بكثير من العنف الذي يسجل بين الأشخاص من غير فئة ذوي الإعاقة". ويرى أن "الأسباب التي تؤدي إلى تعنيف النساء المعوّقات لا تختلف كثيراً عن الأسباب التي تدفع إلى العنف بشكل عام، وأبرزها الفقر والبطالة وإدمان المخدرات".