زادت في الآونة الأخيرة حوادث الاعتداءات على الطواقم الطبية في المستشفيات الحكومية في المغرب من قبل مرضى ومراجعين، وكان من أحدثها تعرّض المركز الصحي الحضري معطى الله بمراكش، في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لاعتداء من قبل عصابة إجرامية استهدف غرفة لتطعيم الرضع.
وأثارت هذه الحادثة قلقاً واستياء مجتمعياً، وحذّرت منظمات صحية ونقابات من تدهور الأوضاع، وخصوصاً أنّ الحادثة تطرح أكثر من علامة استفهام حول مسؤولية وزارة الصحة عن معالجة مشاكل القطاع الصحي وتركها في مواجهة مفتوحة مع المواطنين.
يقول رئيس النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام المنتظر العلوي إنّ أسباب ارتفاع نسبة الاعتداءات على الطواقم الطبية تعود إلى "التخبط الذي يشهده القطاع الصحي في البلاد"، لافتاً إلى أن "عدم توفير وزارة الصحة المستلزمات الطبية الضرورية للطواقم الطبية، وغياب أدوات ومستلزمات العمل، والاكتظاظ، كلّها عوامل تحول دون الاستجابة لمتطلبات المرضى، ما يؤدي إلى حدوث صدامات واعتداءات من قبل عدد من المرضى وأقاربهم، الذين يحمّلون تلك الطواقم مسؤولة تردي الخدمات الطبية".
ويوضح العلوي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الظروف التي يعمل فيها الممرضون والأطباء مزرية، كما أنهم موجودون في الصفوف الأمامية نظراً لطبيعة عملهم ومهامهم على مدار الساعة في ظروف شاقة محفوفة بالمخاطر، في ظل النقص الكبير في الموارد البشرية والتجهيزات والمستلزمات الطبية، وغياب أو قلة بعض الأدوية، بالإضافة إلى ساعات العمل الطويلة". يتابع: "الطواقم الطبية كما المواطنين هم ضحايا القطاع".
ويلفت العلوي إلى أنّ "الاعتداءات على الطواقم الطبية باتت تأخذ أشكالاً مختلفة، وتعبّر في جزء منها عن التذمر والسخط من القطاع الصحي، فالمواطنون يحمّلون المسؤولية الكاملة للطبيب كونه في الواجهة الأمامية. إلا أن تعرض الطواقم الطبية لاعتداءات جسدية ونفسية يعد ترجمة لفشل القطاع الصحي". يضيف: "يجب ردع هذه التجاوزات التي يكون مبالغاً فيها في بعض الأحيان. كما يتعين على الوزارة الوصية على قطاع الصحة تحمل مسؤوليتها في حماية حقوق الأطباء والممرضين والتقنيين الصحيين الذين يتعرضون للإهانة والاعتداء، وضرورة القيام بإجراءات صارمة وفاعلة ضد كل من سولت له نفسه الاعتداء على الطواقم الصحية أثناء مزاولة مهامها، مع القيام بالإجراءات المطلوبة لمتابعة المعتدين قضائياً".
وشهدت المستشفيات الحكومية، مؤخراً، تكرار حوادث الاعتداءات على الطواقم الصحية، أبرزها ما تعرضت له في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الممرضة إيمان الصوفي، خلال عملها في مركز العزل الخاص بكوفيدـ19 في المركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بمدينة الداخلة (تقع في جهة الداخلة وادي الذهب في الأقاليم الجنوبية المغربية) من قبل مرافقي أحد المرضى.
ولم تكن الصوفي العاملة الوحيدة في القطاع الصحي التي تتعرض للعنف مؤخراً، بل كثيرة هي القصص المشابهة التي كانت المستشفيات الحكومية مسرحاً لها وأبطالها مرضى أو أقرباؤهم. ففي الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تعرضت أيضاً قابلة قانونية وإدارية وعاملات نظافة إلى اعتداء من قبل مرافقي امرأة حامل في غرفة الولادة في المستشفى الإقليمي بميدلت (وسط المغرب). وتقول منسّقة لجنة الإعلام والتواصل في حركة الممرّضين وتقنيي الصحة فاطمة الزهراء بلين إنّ "الاعتداءات على الطواقم الصحيّة هي بمثابة ضريبة تؤديها تلك الطواقم من كرامتها وسلامتها الجسدية في مقابل النقص الذي تعاني منه المنظومة الصحية في المغرب"، مشيرة إلى أن الأطباء والممرضين يجدون أنفسهم في العديد من الحالات في مواجهة مواطنين يصبون جام غضبهم عليهم من جراء أوضاع ليسوا مسؤولين عنها بسبب قلة الموارد البشرية ونقص المعدات الطبية.
تضيف بلين، في حديثها لـ"العربي الجديد": "الاعتداء على الطواقم الطبية في المستشفيات والمراكز وغرف الطوارئ تحول إلى ظاهرة اعتاد عليها الناس، في ظل تقاعس مسؤولي الصحة عن التعامل مع المعتدين ومتابعتهم قضائياً"، وتشير إلى أنه "على الرغم من كون تلك الطواقم منهمكة بكل قواها في التصدي والمساهمة بكل تضحية ونكران للذات في دحر كوفيد-19، إلا أن ذلك لم يشفع لها من التعرض للاعتداءات الجسدية واللفظية خلال أدائها واجبها المهني".
في المقابل، يؤكّد مصدر مسؤول في وزارة الصحة المغربية، رفض الكشف عن اسمه، أنّ "الوزارة لا تدخر جهداً في الدفاع عن كرامة نساء ورجال في القطاع الصحي يقدّمون خدمات إنسانية نبيلة ويعملون على الرغم من قلة عددهم في ظروف قاسية، ليل نهار وعلى مدار الأسبوع، لضمان سير المرفق العمومي (القطاع العام) وتوفير الخدمات الصحية للمواطنين". ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد "، أن "وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب كان قد طالب في نهاية الشهر الماضي مسؤولي مختلف المصالح التابعة للوزارة بتفعيل المتابعة القضائية لحالات الاعتداء على موظفي الوزارة أثناء قيامهم بعملهم بالتوازي مع تعزيز الإجراءات الاستباقية والوقائية والمواكبة"، معتبراً أن "ما تتعرض له الطواقم الصحية من اعتداءات تصل أحياناً إلى حد العنف اللفظي والإيذاء الجسدي أفعال منافية ومخالفة للقانون وغير مبررة ولا مقبولة، مهما كانت دوافعها وأسبابها. كما أنها تخل بالاحترام والتقدير الواجب لمهنيي الصحة والاعتراف بالدور المنوط بهم والتضحيات الجسام التي يبذلونها".
ويؤكد أن الوزارة تراهن على "عدم التسامح مع الاعتداءات وعدم ترك الموظفين وحدهم في مواجهة المعتدين، واعتبار الاعتداءات مساً بالمركز الصحي وإضراراً مباشراً به، وتفعيل المتابعة القضائية من الإدارة المعنية بصفتها طرفاً مباشراً في الدعوى، وعدم التنازل عن المتابعة بأي حال من الأحوال".
وينص الفصل 19 من قانون الوظيفة العمومية في المغرب على حث الإدارة على توفير الحماية لموظفيها أثناء مزاولتهم لعملهم وفي حال الاعتداء تتحمل مسؤولية متابعة المعتدين أمام العدالة.