تستمر معاناة مغاربة كثر مصابين بداء السرطان، وسط أزمة دواء تهدّد سلامتهم وحياتهم. فانقطاع العلاج الدوائي هو بمثابة فصلهم عن جهاز تنفّس صناعي يمدّهم بكميات أوكسجين منقذة للحياة.
"نحن نموت ببطء". "معاناتنا لا توصف، وقد تضاعفت في الأشهر الماضية بعدما فُرض علينا تدبّر أمورنا للحصول على الأدوية". بعض ممّا يكرره مرضى السرطان في المغرب. سكينة الوافي من بين هؤلاء، وقد وجدت أنّه لا بدّ من الانضمام إلى وقفة احتجاجية نُظّمت أخيراً أمام مركز محمد السادس لعلاج السرطان (حكومي) في مدينة الدار البيضاء، بعد نحو خمسة أشهر من عدم تمكينهم من الأدوية التي يحصلون عليها عادة. وتقول الوافي لـ"العربي الجديد" إنّ صعوبات كثيرة واجهت مئات المصابين بـ"المرض الخايب" أو "الكونصير" كما يسمّيه المغاربة بلهجتهم العامية، وذلك "في خلال رحلة علاجهم في الأسابيع الماضية، من جرّاء عدم توفر المساعدة اللازمة لهم بعد ردّ طلباتهم بالحصول على الأدوية في بعض مراكز العلاج الحكومية بدعوى عدم توفّرها". تضيف الوافي أنّه "بالإضافة إلى ما يعانيه مريض السرطان من عذاب ومعاناة بسبب الداء الخبيث، فُرض عليه في ظل فقدان الدواء من المستشفيات الحكومية تدبّر أمره بأيّ طريقة، سواء من خلال الاستدانة أو الاستعانة بمحسنين من أجل توفير مبلغ 800 درهم مغربي (نحو 88 دولاراً أميركياً) شهرياً، فيما استسلم من فشل في ذلك للموت البطيء". وتلفت الوافي إلى أنّ "كثيرين من المرضى معوزون، ولا يمكنهم بالتالي تلقي العلاج في المستشفيات الخاصة وتحمّل التكلفة الباهظة. لذا تبقى المراكز الاستشفائية الحكومية هي ملاذهم الأول والأخير في معركة الحياة التي يخوضونها ضد الداء الخبيث".
وكان عشرات من مرضى السرطان قد شاركوا في احتجاج نُظّم في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، للمطالبة بتسريع حصولهم على الأدوية الخاصة بهم وإنصافهم، ومنحهم الحقّ في الطبابة والعلاج. وعبّر المحتجون عن عدم رضاهم عن موقف وزارة الصحة المغربية التي تدفعهم بغياب الموازنة إلى شراء الأدوية على نفقتهم، مؤكدين أنّ أجسادهم تتآكل يومياً ولا يمكنها انتظار المصادقة عل تلك الموازنة.
وكان المغرب قد تمكن في السنوات الأخيرة بحسب مراقبين، من إحراز تقدّم ملحوظ في مجال مكافحة داء السرطان، وذلك بفضل مركز ''للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان"، الذي دأب على بذل جهود في هذا المجال ومساعدة المرضى على تحسين ظروف عيشهم، من خلال جعله مكافحة السرطان من أولويات الصحة العمومية في المغرب. كذلك عرفت عمليات مكافحة الداء تطوراً بفضل تمكين المرضى من ذوي الدخل المحدود من الحصول على العلاجات من خلال برنامج خاص. وفي هذا الإطار، يُصار إلى التكفل بأكثر من 200 ألف مريض في كلّ عام، مع استفادة أكثر من مليون و600 ألف امرأة من خدمات الكشف عن سرطان الثدي.
وعلى الرغم من التقدّم الحاصل في التكفل بمرضى السرطان، فإنّ فقدان أدوية من صيدليات بعض المراكز الحكومية في خلال الأشهر الماضية يعمّق معاناة كثيرين. وفي هذا السياق، تقول رئيسة جمعية "الطموح للتنمية الاجتماعية" (مستقلة) حسناء بوشمة لـ"العربي الجديد" إنّ "هؤلاء يعانون من فقدان الأدوية، إلى جانب طول مدّة انتظار مواعيد المراجعات، بالإضافة إلى غياب أجهزة الفحص بالأشعة"، مشيرة إلى أنّ "أوضاع تلك الفئة من المرضى مزرية، خصوصاً أنّهم بمعظمهم من الفئات الاجتماعية الهشة والمعوزة غير القادرة على شراء أدوية باهظة الثمن". وتوضح بوشمة أنّ "ثمّة مرضى يحتاجون إلى أدوية تصل قيمتها إلى 500 درهم (نحو 55 دولاراً) يومياً، غير أنّ ظروفهم الاجتماعية لا تسمح لهم بشرائها، الأمر الذي يجعل أزمتهم تتضاعف كلّ يوم"، مطالبة وزارة الصحة بـ"الالتفات إلى مرضى السرطان من المعوزين عبر توفير الأدوية لهم".
تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة المغربية كانت قد رفضت في 28 سبتمبر/ أيلول من عام 2020، طلب إنشاء حساب خصوصي لدى الخزينة العامة للمملكة باسم "صندوق مكافحة السرطان"، وهو مطلب تضمنته "عريضة الحياة" التي وقعها أكثر من 40 ألف مغربي، تفاعلاً مع نداء أطلقه عدد من المصابين بالداء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال هاشتاغ #مابغيناش_نموتو_بالسرطان (لا نريد أن نموت بالسرطان).
وقد رأى حينها رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني أنّ مطلب إنشاء الصندوق تواجهه إكراهات في داخل الحكومة، معلناً عن تعويضه بتخصيص عدد من المداخيل لدعم مرضى الداء الخبيث، إلى جانب 34 إجراء، من بينها إنشاء لجنة وطنية للسرطان يرأسها رئيس الحكومة. وكان من المفترض أن تضم هذه اللجنة فاعلين مؤسساتيين ومهنيين وممثلين عن المجتمع المدني لتتبّع تقدّم "الورشة الوطنية الكبيرة" وكذلك "مخطّط وطني للوقاية من السرطان 2020-2021"، بالإضافة إلى تعميم تحصين الفتيات البالغات من العمر 11 عاماً ضدّ سرطان عنق الرحم الذي يعني نحو 350 ألف فتاة سنوياً، ومن شأنه أن يساعد في القضاء على هذا النوع من الأمراض السرطانية بين الأجيال الصاعدة. كذلك تضمّنت التزامات الحكومة السابقة العمل على تحويل المعهد الوطني للأونكولوجيا (علم الأورام) إلى مؤسسة عمومية، تتمتّع بالاستقلال المالي والإداري، لتكون الفاعل المرجعي وطنياً في مجال الوقاية من داء السرطان ومكافحته، مع تعزيز مهامها واختصاصاتها في مجالات البحث والدراسات والتكوين.
ويقول عضو في لجنة "عريضة الحياة" فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد" إنّ العريضة التي قُدّمت للحكومة السابقة كانت تهدف إلى "توفير شروط العلاج لمرضى السرطان، من منطلق الإحساس بالمسؤولية تجاه 200 ألف مريض يعانون في كلّ البيوت المغربية، ليس بسبب ألم المرض بل من قساوة شروط العلاج". يضيف: "نأسف لرفض الحكومة إنشاء صندوق لمكافحة السرطان، وطلبنا سوف يظل قائماً، وسوف نناضل من أجل تحقيقه بصيغ أخرى. واليوم نراهن على الحكومة الجديدة لتحقيق آمال آلاف المغاربة المحتاجين إلى العلاج".
وتُسجَّل في المغرب سنوياً نحو 40 ألف إصابة جديدة بالسرطان، بحسب بيانات وزارة الصحة، فيما تحتلّ البلاد المركز 145 عالمياً في القائمة الخاصة بعدد المصابين بالداء. ونجد في البلاد تسعة مراكز لعلاج السرطان في مدن مختلفة هي الرباط والدار البيضاء وأغادير ووجدة والحسيمة وطنجة ومراكش وفاس ومكناس، بالإضافة إلى مركزَين متخصّصَين في علم الأورام النسائية. وتجدر الإشارة إلى أنّ سرطان الثدي يتصدّر أنواع الأمراض السرطانية لدى النساء بالمغرب يتبعه سرطان عنق الرحم، فيما يأتي أوّلاً سرطان الرئة عند الرجال يتبعه سرطان البروستات لدى هؤلاء والجهاز الهضمي.