استمع إلى الملخص
- تعديل القوانين وإنشاء بنك "دي إن إي": يشدد الخبراء على ضرورة تعديل القوانين المتعلقة بالمفقودين وإنشاء بنك "دي إن إي" لتسهيل التعرف على الضحايا، مع توحيد الجهود بين الخبراء والجهات الحكومية والمجتمع المدني.
- المطالبات القانونية والاجتماعية: تعاني عائلات المفقودين من تحديات قانونية واجتماعية، مثل إثبات وفاة المعتقلين وتسجيل الأطفال، وتطالب الحكومة بتوثيق المعتقلين وتسهيل تسجيل الأطفال وتوفير تعويضات.
تتداخل المعاناة الإنسانية مع الفراغ القانوني في قضية المفقودين في سورية، ما يجعلها محورية وتتطلب تضافر الجهود لتحقيق العدالة وكشف الحقائق، والتحديات كبيرة والتعقيدات غير قليلة.
تعتبر قضية المفقودين في سورية من أبرز التحديات الإنسانية والقانونية المعقدة. وفي ظل تصنيفهم في عداد الموتى، تواجه عائلاتهم مشكلات كبيرة في موضوع المطالبة بحقوقها المدنية والإنسانية. وتزداد هذه المشاكل في ظل غياب إطار قانوني واضح ينظم القضية.
يوضح المحامي عمار عزالدين، مدير العمليات في "رابطة المحامين السوريين الأحرار"، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "لا رؤية واضحة حالياً للتعامل مع قضية المفقودين، ونؤكد الحاجة إلى تضافر كل الجهود لضبط الإطار القانوني للقضية، في وقت لا يستبعد أن يستغرق كشف مصيرهم سنوات بسبب الانتهاكات التي لا تحصى التي ارتكبها نظام الأسد المخلوع، والمقابر الجماعية التي اكتشفت في مناطق مختلفة، ولا تزال".
يتابع: "حصل بعض ذوي المفقودين على شهادات وفاة، لكن كثيرين لا يثقون بإجراءات نظام الأسد التي شابها تزوير كبير، إذ جرى تسجيل الوفيات غالباً باعتبارها ناتجة من موت طبيعي، بينما كان السبب القتل تحت التعذيب. كما أصدر النظام المخلوع شهادات بتواريخ متباينة بين الوفاة والتسجيل، وأحياناً بفارق يتراوح بين 3 و5 سنوات بينهم. وفي الغالب أيضاً لم يتسلم ذوو المتوفين الجثامين، ما يطعن في صحتها. من هنا يجب تشكيل مؤسسة وطنية تكون جزءاً من هيئة للعدالة انتقالية وتتولى إدارة سجلات مركزية للمفقودين، وتتلقى البيانات من ذويهم كي تدققها بعينات دي إن إي من الرفات والجثث. كما يجب أن تطلب هذه الهيئة توثيقات من المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة، ووضع البيانات في تصرفها لضمان حقوق ذوي المفقودين".
ويشدد على ضرورة تعديل القوانين المتعلقة بالمفقودين والاختفاء القسري، وإبطال تلك التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر. ويوضح أنه يمكن أن تطلب الزوجة الطلاق بعد مرور سنة من فقدان زوجها، استناداً إلى المادة 109 من قانون الأحوال الشخصية.
مطالبات بتشكيل مؤسسة خاصة بالمفقودين ضمن هيئة العدالة الانتقالية
ويشير إلى أنه "أضيفت عام 1975 إلى المادة 205 في قانون الأحوال الشخصية فقرة تنص على أنه إذا انقضت أربع سنوات على غياب مفقود بسبب أعمال حربية وقتالية أو ظروف هلاك يمكن أن يُحكم بموته، ما يسمح للزوجة بتقديم طلب للقاضي الشرعي لحل العلاقة الزوجية، وللورثة بتقديم طلب لإجراء حصر إرث.
وتتطلب حماية حقوق ذوي المفقودين إصدار شهادات وفاة تثبت كيف قتِل الشخص من أجل توثيق الانتهاك وتحديد إمكانية المطالبة بتعويضات.
وبحسب عمار السلمو، عضو مجلس إدارة الدفاع المدني السوري، يتطلب كشف هويات المفقودين وضحايا المقابر الجماعية وجود بنك "دي إن إي". ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يوجد بحسب معلوماتنا وإحصاءاتنا وتواصلنا مع الجهات الموجودة بنك دي إن إي للمواطنين السوريين، بل يستخدم فقط لأغراض عسكرية وجنائية، علماً أن خدماته مأجورة. وجرى تأسيس مركز استعراف بدعم من الصليب الأحمر لأخذ عينات دي إن إي، لكن لم يراجعه إلا بعض المواطنين بسبب انعدام الثقة بأي جهة مرتبطة بحكومة النظام المخلوع فهناك انعدام ثقة واضح".
ويشدد السلمو على أن الحاجة ملحة لوجود بنك "دي إن إي" لعائلات المفقودين من أجل رسم شجرة العائلة لمعرفة من يستطيع التبرع بعينة تسمح بالتعرف إلى عينة ضحية ما. وإذا كانت الضحية هيكلاً عظمياً نأخذ قطعة عظم. وفي حال لم يتحلل الهيكل يُفضل أخذ العينة من العظم أيضاً لأن الدم واللعاب يكونان ملوثين".
ويشرح أن "الحصول على عينة دي إن إي صافية أمر معقد. وحتى في الدول المتقدمة لا يعتمد فقط على عينات من عائلات الضحايا (شخصان أو ثلاثة)، بل يجري الرجوع إلى التسجيلات الطبية عند طبيب الأسنان أو المستشفيات، أو الأدوات الخاصة التي كان يستخدمها المريض. وهذا الأمر معدوم في سورية بسبب النزوح والدمار وعدم احتفاظ المستشفيات أو أطباء الأسنان بسجلات. من هنا يحتاج الأمر اليوم إلى توحيد الجهود بين الخبراء والجهات الحكومية والمجتمع المدني عند فتح هذه المقابر من أجل الحصول على معلومات جينية وغير جينية. وأحياناً تثبت المعلومات غير الجينية هويات الضحايا، مثل اللباس أو الهوية أو رقم معدني أو تفاصيل قد تشكل أدلة جيدة. وفي النهاية تؤكد المعلومات غير الجينية بعد الفحص والتحليل الهوية بشكل كامل. كل شيء يساعد، ويكمل بعضه البعض".
يتابع: "أمامنا طريق طويل بكل معنى الكلمة. البحث عن هوية ضحية في مقبرة جماعية، يشبه البحث عن إبرة في كومة قش، لكن توحيد الجهود سيسمح بالحصول على معلومات وإثبات الهوية وتعريف الضحايا".
بدوره، يشير مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى "وجود نحو 112.414 شخصاً كانوا محتجزين لدى نظام بشار الأسد المخلوع، ولم يعثر عليهم بعد فتح السجون، وغالبية المختفين قضوا تحت التعذيب وبسبب إهمال الرعاية الصحية وظروف الاحتجاز الوحشية وعمليات الإعدام".
وأكد عبد الغني ضرورة كشف مصير هؤلاء، وقال: "صحيح أنهم قتلوا لكنهم لا يزالون في الوقت نفسه مختفين قسراً لأن ذويهم لم يتسلموا الجثث. وهذا الأمر يحتاج إلى بحث وبذل جهود كبيرة جداً لكن لا أدلة تشير إلى أنهم لا يزالون أحياء. ويبقى الموضوع مهماً جداً إذ يجب فهم ما حصل من قتل عبر السنوات".
بالنسبة إلى أمل الحمدان، انقطعت الأخبار عن زوجها المعتقل منذ 10 سنوات، وأيقنت أنه توفي لكنها تحتاج إلى إثبات قانوني كي يحصل أولادها على حقهم في إرث والدهم من أملاك جدهم، في حين أن لا حجة شرعية تُثبت بقاء الزوج على قيد الحياة أو وفاته بشكل قانوني. وهي تطالب بالتالي، في حديثها لـ"العربي الجديد" الحكومة الجديدة باتخاذ إجراءات محددة في شأن المعتقلين لإثبات وفاتهم أو تأكيد أنهم على قيد الحياة. وتقول: "عشنا سنوات في حالة يُرثى لها من الفقر والعوز بلا معيل وافتقاد مصدر دخل لأننا لا نستطيع المطالبة بحقوقنا في الميراث بسبب بقاء أخبار زوجي مجهولة، وعدم معرفة أي شيء عنه. وحجة الورثة الآخرين أنهم لا يستطيعون منحي شيئاً ليس من حقي فربما يخرج زوجي من سجنه في يوم من الأيام".
لم تستطع نور الكامل، وهي زوجة معتقل منذ خمس سنوات، إثبات وفاة زوجها، في وقت تحتاج إلى إيجاد كفالة لأطفالها الأيتام من أجل إعالتهم. وتقول لـ"العربي الجديد": "فشلت كل محاولاتي لمعرفة مصير زوجي عبر البحث عنه، وأرغب في الحصول على سجل وفاة قانوني، وأطالب بوضع شروط خاصة بتوثيق المعتقلين والمفقودين وحسم أوضاعهم القانونية. وأدعو إلى تسجيل ذكرى وفاة المعتقل في حالة مرور مدة معينة من دون عدم الحصول على أي أخبار، ومنح الزوجة وأبناءها حقوقهم القانونية مثل الإرث، أو تسجيلهم ضمن برامج المساعدات الاجتماعية، أو منح الزوجة إمكانية الزواج مرة أخرى. واقترح إنشاء قاعدة بيانات صغيرة تحتوي على جميع المعلومات المتعلقة بالمعتقلين والمفقودين، ومنح العائلات حق الوصول إلى المعلومات المحدثة".
أيضاً تواجه ريم العبد الكريم صعوبات قانونية في تسجيل طفلها الذي وُلد بعد اعتقال زوجها قبل ست سنوات. وحرم غياب الزوج الطفل من حقوقه الأساسية، وبينها الحصول على هوية رسمية. وتدعو ريم، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى إصدار قوانين تسهّل تسجيل الأطفال غير الموثقين، ومنح الزوجة الحق في إعلان وفاة الزوج بعد فترة زمنية محددة، مع توفير تعويضات عن غياب المعيل. وهي تطالب الحكومة الجديدة بتوضيح وضع المعتقلين منذ البداية، وتسجيل الأطفال حديثي الولادة لأزواج مفقودين أو معتقلين، ومنحهم حقوقهم القانونية والمدنية. كما تدعو إلى إصدار قوانين تسهّل تسجيل الأطفال غير الموثقين في السجل المدني.