أغرق المنخفض الجوي الذي يضرب منطقة بلاد الشام منذ 15 يناير/ كانون الثاني الجاري عشرات من منازل الغزيين، وألحق خسائر كبيرة فيها على غرار الشوارع الرئيسية والفرعية في المناطق المكتظة سكانياً والمخيمات. وشملت الأضرار المدارس والتلاميذ، وتسببت في تدهور حال أسر فقيرة تواجه الشتاء أصلاً بإمكانات ضئيلة ومحدودة.
وقد أثارت صور التقطتها عدسة الصحافي مجدي فتحي لتلاميذ مدرسة السبت الماضي في حي الرمال بمدينة غزة خلال وقوفهم عند انتهاء الدوام المدرسي عاجزين عن الوصول إلى الباصات المتوقفة أمام البوابة التي تحول موقعها إلى بركة ماء، وبكاء بعضهم خائفين، ضجة كبيرة لكن ذلك لم يكن فعلياً إلا بداية مظاهر الأزمة التي اشتدت في اليوم التالي مع تزايد غرق الشوارع والمنازل بمياه الأمطار في شكل لافت، خصوصاً في المخيمات ووسط قطاع غزة ومنطقة المغراقة ووادي غزة، وأحدها منزل منصور حميد في منطقة المضخة بمخيم جباليا شمال القطاع، حيث حاصرت المياه السكان وأغرقت منازلهم.
يقول حميد الذي اضطر للبقاء في مكان عمله بمنطقة الفالوجا أول المخيم، في انتظار سحب كل المياه تمهيداً للعودة إلى منزله، لـ"العربي الجديد": "يتكرر غرق الشوارع سنوياً، لكن المياه تدفقت بغزارة إلى عمق منزلي هذا العام وعطّلت أجهزة الكهرباء وخرّبت الأثاث. وقد شاهدت غرق الغرف بطريقة كارثية خلال لحظات، وكأنه فيضان سريع". يضيف: "نشر الغزيون صوراً ولقطات لغرق الشوارع والمنازل على وسائل التواصل الاجتماعي للسخرية من إعلان البلديات وأجهزة الدفاع المدني أنها جاهزة بالكامل للتعامل مع المنخفض الجوي".
وفي المخيم نفسه، تدفقت مياه الأمطار عند الساعة السابعة صباح أول من أمس الأحد إلى داخل منزل إبراهيم الفالوجي الذي يضم أثاثاً متواضعاً وأدوات بسيطة، وانتشرت بسرعة في كل الغرف كون المنزل يتواجد في موقع أدنى من مستوى الشارع، وفي منطقة تضم منازل ضعيفة البنية بعضها من ألواح حديد، وتتضمن ثقوباً كثيرة لم توفر الحماية المطلوبة من تدفق المياه. يتحدث الفالوجي لـ"العربي الجديد" عن تسرب المياه في شكل بسيط سنوياً إلى داخل منازل في الشارع الذي يقطن فيه، ما يسمح للسكان بأن يسيطروا عليه، "لكن المنخفض الحالي كان شديداً هذا العام لدرجة أن الأكياس الرملية التي وضعت في مقدمة الشوارع لم تستطع حمايتنا من تدفق المياه إلى المنازل". يضيف أنّ "لا بنية تحتية جيدة في المخيم الذي يضم شوارع على مرتفعات، وأخرى تحتوي على حفر كثيرة. وتكتفي الجهات المعنية بتقديم وعود لنا بتحسين الحال، في حين تضع حجارة بدلاً من الزفت في الحفر فتتجمع مياه الأمطار فيها. والمنازل ضعيفة البنية في المخيمات لا يمكن أن تواجه المنخفضات الجوية المستمرة، وقد تتعرض لتدمير كامل لأنها مشيّدة بلا أساسات في باطن الأرض، علماً أن ما يزيد القلق أيضاً امتلاء برك مبنية لتجميع مياه الأمطار عن آخرها ما يهدد بفيضانها، وبينها بركة الشيخ رضوان وسط غزة، وبركة أبو راشد بمخيم جباليا شمال القطاع".
وفي بلدة بيت حانون أقصى شمال غزة، اضطر أصحاب منازل في حارة الزعانين إلى الخروج من المنازل لتنظيف عبّارات المياه التي أغلقتها سيول بارتفاع نحو متر. وفي مخيم الشابورة بمدينة رفح، غرقت أحياء أيضاً. وأكد جهاز الدفاع المدني أن فرقه نفذت خلال يومين أكثر من 200 مهمة متنوعة وعاجلة في كل محافظات غزة، وأن العمليات لا تزال جارية. ووصف رئيس قسم الإنقاذ في الجهاز علاء النعيزي في حديثه لـ"العربي الجديد" المنخفض الجوي الحالي بأنه "الأقوى والأشد منذ سنوات، ما حتم مواجهة فرقنا ضغوطاً كبيرة في عمليات الإنقاذ، علماً أننا استقدمنا كل طواقم المحافظات على مدار الساعة".
وتوقع أن تكون الخسائر أكبر من المنخفضات الجوية في الأعوام الماضية، موضحاً أن "الجهاز يستخدم في عمله الصعب آليات وسيارات تعود إلى عام 1996، وهذا غير منطقي في بيئة تعتبر إحدى الأكثر تعرضاً لأزمات وكوارث، والاحتلال الإسرائيلي لا يسمح بتزودنا معدات مناسبة، علماً أننا أرسلنا مناشدات عدة لمعالجة هذا الأمر".
وقد كشفت أهوال المنخفض الجوي الحالي التأثيرات السلبية الكبيرة للأضرار التي ألحقها العدوان الإسرائيلي الأخير في مايو/ أيار العام الماضي، بعدما انهارت طرقات في شارع الثلاثيني الذي سبق أن استهدفه العدوان شرقي غزة، ما حتم إغلاقه لطمر المواقع المنهارة بتراب كإجراء أولي. وشمل ذلك أيضاً أحياء في مخيم جباليا وبلدة بيت لاهيا وبيت حانون.