بعد حظر عمل النساء الأفغانيات في المنظمات الإنسانية غير الحكومية في البلاد، وذلك في قرار مفاجئ قبيل نهاية عام 2022، وضعت حركة طالبان تلك المنظمات في وضع صعب بسبب اضطرارها إلى إعادة النظر في طريقة عملها الميداني بواحد من أفقر بلدان العالم.
تقول مديرة الاتصالات في منظمة "لجنة الإنقاذ الدولية" في أفغانستان سميرة سيد-رحمن التي تشعر بخيبة أمل، لوكالة فرانس برس: "كان علينا أن نتّخذ قراراً صعباً جداً حول استمرارنا أم لا من دون موظفاتنا. وقد توصّلنا إلى نتيجة مفادها أنّه من المستحيل بالنسبة إلينا مواصلة أنشطتنا في البلاد من دونهنّ".
في 24 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، وفيما كان العالم يستعدّ للاحتفال بعيد الميلاد، أمرت وزارة الاقتصاد في حكومة حركة طالبان كلّ المنظمات غير الحكومية بوقف عمل موظفاتها، تحت طائلة إلغاء ترخيصها بالعمل في حال عدم امتثالها. وأوضحت الوزارة في رسالة وجّهتها إلى تلك المنظمات المحلية والدولية أنّها اتخذت هذا القرار بعد ورود "شكاوى جدية" بشأن عدم التزام العاملات بوضع الحجاب.
وفي اليوم التالي، أعلنت منظمات عدّة غير حكومية من قبيل "لجنة الإنقاذ الدولية" التي تضمّ نحو 3000 امرأة من بين نحو 8000 موظف، أنّها سوف تعلّق أنشطتها، وطلبت من حركة طالبان رفع الحظر. يُذكر أنّ نحو 1260 منظمة غير حكومية تنشط في أفغانستان، بحسب آخر الأرقام التي حصلت عليها وكالة فرانس برس من وزارة الاقتصاد، وتوظّف هذه المنظمات آلاف النساء في مواقع أساسية، وذلك لبرامج المعونة الغذائية وفي مجالات الصحة والتعليم والصرف الصحي.
في هذا الإطار، تقول نائبة رئيس منظمة "كير - أفغانستان" ريشما عزمي إنّ "عاملات الإغاثة يساعدنَ في تحديد المستفيدات (من البرامج) وتسجيلهنّ وتدريبهنّ"، علماً أنّ النساء يمثّلنَ 38 في المائة من عدد موظفي المنظمة. تضيف عزمي أنّه "من الصعب جداً على رجل أن يتواصل مع امرأة إذا لم يكن مقرّباً منها. وهذه الأعراف المجتمعية متجذّرة بعمق" في بلد محافظ جداً في الأساس. لكنّ حركة طالبان ترى أنّه ما زال في إمكان المساعدات أن تصل إلى العائلات من خلال تقديمها لرجال الأسرة، الأمر الذي يجعل الاستغناء عن الموظفات ممكناً.
وبعد قرار منع دخول الإناث إلى الجامعات العامة والخاصة في أفغانستان الذي صدر في الفترة الأخيرة أيضاً، بحجّة عدم التزام الشابات بقواعد اللباس، صارت النساء معزولات بشكل متزايد وغير مرئيات في هذا البلد. وهنّ مُنعنَ من وظائف حكومية عديدة ومن السفر ما لم يرافقهنّ قريب من الذكور.
وظلّت المنظمات غير الحكومية بالنسبة إلى نساء عديدات أشبه بشريان حياة سمح لبعضهنّ بالحصول على الراتب الوحيد الذي يعيل في كثير من الأحيان أسرهنّ الكبيرة. ويقول مسؤول كبير في منظمة إغاثية، فضّل عدم الكشف عن هويته، لوكالة فرانس برس: "دفعتنا حركة طالبان إلى تحصيناتنا من خلال وضعنا أمام طريق مسدود"، مضيفاً "يقولون لنا: عليك أن تختار بين إطاعة أوامرنا أو المغادرة، على الرغم من أنّ الوضع (الإنساني) يزداد سوءاً".
ومنذ خروج القوات الأجنبية من البلاد، أدّى توقف المساعدات الدولية التي تمثّل 75 في المائة من الميزانية الأفغانية، إلى إغراق أفغانستان في أزمة إنسانية كبيرة.
بحسب خبراء اقتصاديين، يواجه نحو 22.8 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان أفغانستان، انعداماً في الأمن الغذائي، في حين أنّ ثلاثة ملايين طفل معرّضون لخطر سوء التغذية. وتشير سيد-رحمن إلى أنّ "المساعدات الإنسانية في الشتاء الماضي هي التي حالت دون حدوث مجاعة في البلاد"، تضيف: "إذا لم نتمكّن من تجديد هذه المساعدات، فسوف نواجه وضعاً مروّعاً".
وقد فاجأ قرار حركة طالبان المنظمات الإنسانية التي تمكّنت، حتى في الأعوام العشرين عاماً الماضية عندما كان القتال دائراً ما بين الحركة والقوات الأميركية وحلفائها، من العمل مع النساء في المناطق التي يسيطر عليها الإسلاميون.
ويشرح مدير منظمة "العمل ضد الجوع" في أفغانستان سامي غيسابي لوكالة فرانس برس أنّ "مفاوضات كثيرة كانت تُقام (مع عناصر طالبان المحليين)، ولكن حتى في ذلك الحين كانت لدينا موظفات كثيرات". ويؤكد غيسابي أنّه "منذ عودة طالبان في أغسطس/ آب 2021، قبلت منظمة العمل ضد الجوع تنفيذ كلّ الطلبات. فهي تحترم، كما المنظمات الإنسانية الأخرى، القيم والتقاليد والثقافة في أفغانستان". يضيف غيسابي على سبيل المثال أنّه "يُصار إلى فصل النساء عن الرجال في المكاتب، ويرافق محرم الزميلات في أثناء سفرهنّ إلى جانب الالتزام بوضع الحجاب".
وتوضح سيد-رحمن أنّ "مصدر الإحباط الآخر للجهات الفاعلة في المجال الإنساني بأفغانستان هو أنّه منذ نهاية الحرب وتحسّن الوضع الأمني، صار في إمكان المنظمات الوصول إلى السكان البعيدين الذين كان يتعذّر الوصول إليهم تقريباً (في السابق)، ليس فقط من قبل الجهات الإنسانية الفاعلة إنّما أيضاً من قبل الحكومة والجهات الدولية". وتتابع سيد-رحمن أنّ "ثمّة بقاعاً كثيرة من هذا البلد تلقّت المساعدة للمرّة الأولى" بعد سيطرة حركة طالبان، "وكانت النساء جزءاً لا يتجزأ من تلك الاستجابة".
وتشدّد منظمات عدّة تواصلت معها وكالة فرانس برس على رغبتها في إجراء حوار، على أمل أن تعيد حركة طالبان النظر في قرارها، رافضة اتّخاذ قرار في شأن انسحاب نهائي من أفغانستان. وتقول عزمي: "لا يهمّنا من يستلم السلطة، فنحن محايدون (...) هدفنا هو الوصول إلى المحتاجين وليس أيّ أمر آخر".
(فرانس برس)