- النازحون يعانون من عدم كفاية المساعدات الإنسانية، مع تسليط الضوء على قصص مثل قصة عوني الجمل الذي يحتاج إلى رعاية صحية ماسة، وتحديات الحصول على المساعدات الغذائية والطبية.
- تدهور الوضع الإنساني بسبب نفاد مخزونات الأمم المتحدة، تعيق إسرائيل دخول المساعدات، مما يهدد بمجاعة ويزيد من معاناة المرضى والجرحى، مثل أحمد شهاب الذي يحتاج إلى علاج لتعافيه.
يقبع عشرات آلاف النازحين من مدينة رفح حالياً في منطقة المواصي على أطراف مدينة خانيونس، وفي مدينة دير البلح وبلدة الزوايدة، ويعانون جميعاً من عدم توفر المقومات الأساسية للحياة.
مع مرور أسبوعين على بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح، لا تزال أعداد كبيرة من النازحين تتوافد إلى وسط المدينة، إضافة إلى مغادرة آخرين لأجزاء من المنطقة الغربية التي طاولها القصف، بينما لا وجود لمنافذ توزيع المساعدات، والتي انتقل معظمها إلى المناطق الغربية من مدينة خانيونس ومدينة دير البلح.
وينتشر عشرات آلاف النازحين في المنطقة الممتدة من المواصي إلى أطراف مدينة خانيونس، رغم الدمار الكبير الذي حل بتلك المناطق نتيجة الاجتياح الإسرائيلي السابق، كما وصل آخرون إلى مدينة دير البلح وبلدة الزوايدة الواقعة على حدودها، لكن معاناة الجميع متفاقمة في ظل نقص الماء والغذاء والدواء، فلا مساعدات إنسانية، ولا مراكز صحية كافية. ورغم دخول عدد من شاحنات المساعدات، إلا أنها لا تفي ولو بنسبة ضئيلة من الاحتياجات في ظل تزايد أعداد النازحين. وبينما الكميات التي يتلقاها النازحون من المساعدات قليلة، فإن النازحين الجدد مضطرون للانتظار حتى يتم إدراجهم في القوائم، وبالتالي فإنهم لا يحصلون على الغذاء أو الماء.
نزح عوني الجمل (53 سنة) الخميس الماضي، من مخيم رفح إلى المواصي، وقضى ليلته الأولى في العراء، قبل أن يتم تأمين مكان له عبر إحدى المبادرات المجتمعية، والتي وضعته في خيمة كبيرة مع أربع عائلات، وقد حصل على مساعدات غذائية مساء السبت، لكن الكمية كانت قليلة. لكنه بحاجة إلى الدواء، فهو مريض بالقلب والسكري. يقول الجمل لـ"العربي الجديد" إن "التنقل المستمر غاية في الصعوبة، وعندما ننتقل من منطقة إلى أخرى نضطر إلى البقاء أياما من دون مساعدات حتى يتم تسجيل أسمائنا، ثم يتم تسليمنا مساعدات قليلة لا تكفينا، لكننا في هذه المرة نتواجد في منطقة وعرة مكتظة بالنازحين، بعد 8 شهور من العدوان الذي جعلنا لا نملك أي مال. كان لديّ بسطة في السوق، ومع أني مريض، كنت مضطراً للعمل لأن لديّ ولد وحيد (30 سنة) مصاب ببتر في ساقه منذ مسيرات العودة في عام 2018، وأُعتبر من الفئة الكادحة، وقد ضاع رزقنا وتحولنا إلى متسولين، والآن مصيرنا مجهول".
معاناة جميع النازحين في غزة متفاقمة بسبب نقص الماء والغذاء والدواء
يضيف: "أحتاج إلى العلاج لي ولابني بشكل دوري، وقد انتظرت أياماً حتى توفر لي نوعان من الدواء من أصل ثمانية أنواع، وأفتقد مثل كثيرين خدمات الرعاية الصحية، فأقرب مركز صحي للمنطقة التي نزحنا إليها يتطلب المشي أكثر من ساعة ونصف، وهذا أمر لا أستطيعه أنا أو ابني".
وأعلن المفوض العام لوكالة "أونروا"، فيليب لازاريني، مساء السبت، أن نحو 800 ألف فلسطيني أجبروا على الفرار من رفح منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على المدينة، وغالبية هؤلاء وجدوا أنفسهم مضطرين إلى التوجه إلى غربي مدينة خانيونس، والتي لا تنظر إليها الوكالة الأممية على أنها منطقة يستطيع النازحون البقاء فيها طويلاً، وإلى مناطق وسط قطاع غزة التي لا تتوفر فيها أماكن لإيواء مزيد من النازحين.
وفي الوقت الحالي، تعتبر منطقة المواصي غربي خانيونس ومدينة دير البلح أكبر بؤرتين للنازحين من رفح، وهي مناطق نائية، فمنطقة المواصي غير متصلة بمراكز المدينة، ولا تضم أية خدمات، كما أن المنطقة الغربية من مدينة دير البلح التي لجأ إليها كثير من النازحين لا تتحمل كل تلك الأعداد، والمخيم القريب منها يعد أصغر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة.
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، مساء الجمعة، نفاد جميع مخزوناته الإغاثية في قطاع غزة، مؤكداً أنه لم يتبق شيء تقريباً لتوزيعه، رغم تزايد أعداد النازحين، كما أن أوضاع المياه الصالحة للاستخدام والصرف الصحي تتدهور بسرعة، في ظل تزايد تمركز النازحين في مناطق غير مهيأة لاستقبالهم.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان صباح الأحد، إن "الاحتلال يواصل منع إدخال 3000 شاحنة مساعدات غذائية وطبية وأدوات مساعدة أساسية، وإنها من بين الشاحنات التي تتواجد في الجانب المصري من معبر رفح، وكان من المفترض أن تدخل قبل أكثر منذ أسبوع، لكن احتلال المعبر منع ذلك، محذراً من مجاعة محتملة بين النازحين، وزيادة معاناة المرضى والجرحى منهم.
ودخلت كميات شحيحة من المساعدات إلى قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة، وفق آلية جديدة جرى اعتمادها عقب العملية العسكرية في رفح، وبعد أن استمر توقف دخول المساعدات لنحو 10 أيام متواصلة، إذ قرر جيش الاحتلال إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول المساعدات، رغم استمرار السماح للمستوطنين المتطرفين بإعاقة دخول الشاحنات وتخريب محتويات عدد منها.
ولا يثق أهالي غزة في تلك الآلية الجديدة التي يتحكم فيها الاحتلال الإسرائيلي بالكامل، كما لا يثقون في جدوى منطقة الرصيف البحري في مدينة غزة، والتي يشرف عليها الجيش الأميركي ويتحكم فيها الجيش الإسرائيلي، ويقدّر كثيرون أنها ستصبح ملفاً لمساومتهم على حقوقهم الأساسية.
ينتظر أحمد شهاب (36 سنة) الحصول على العلاج اللازم للتعافي من تداعيات عملية جراحية أجراها سابقاً في الأمعاء لعلاج إصابة خطرة تعرّض لها في أكتوبر الماضي، ويشير إلى أنه كان محظوظاً لأنه استطاع إجراء العملية الدقيقة وإنقاذه.
ويُعد شهاب واحداً من مئات يحتاجون إلى العلاج بالخارج، لكنه يستطيع الانتظار مقارنة بحالات أخرى من مصابي العدوان الذين يحتاجون إلى تدخّل عاجل، لكنه اليوم في مدينة دير البلح، ولا يوجد أمامه سوى مركز طبي وحيد، لكن علاجه لا يتوفر فيه، ويكرر التواصل منذ أيام مع وكالة "أونروا"، والذين أخبروه أن عليه الانتظار حتى توفير أدويته، وهي خمسة أصناف.
وقد نصحه الأطباء باتباع نظام غذائي يناسب حالته الصحية، لكنه منذ خروجه من المستشفى لا يتناول طعاماً جيداً، ما يؤثر بالسلب على صحته، وحالياً يعاني من الجوع مثل كثير من النازحين الذين لا يحصلون على كميات كافية من الغذاء، ويشعر بالاختناق لأنه مضطر للبقاء مع أسرته في منطقة خيام مكتظة بشكلٍ كبير، ويشاركون الخيمة مع عائلة أخرى، وعدد الأشخاص في الخيمة 17 فرداً.
يقول شهاب لـ"العربي الجديد": "الطعام قليل، وانتقلنا من خيمة صغيرة إلى خيمة كبيرة تشاركنا فيها عائلة أخرى، لكن لا نملك الكثير من الطعام، والحصول عليه صعب. لديّ أربعة أبناء، وجميعهم خسروا الكثير من أوزانهم، وأنا تم إنقاذ حياتي بأعجوبة بعد إصابة خطيرة خرجت فيها أمعائي خارج بطني، وأعيش ما بين ألم الجوع وآلام الإصابة، في ظل عدم توفر العلاج".
وتم إنشاء عدد من محطات المياه خلال الأشهر الماضية داخل مخيم خانيونس، وفي وسط المدينة، وكذلك في مدينة رفح التي كانت أكثر محافظات غزة كثافة قبل العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، لكن القصف دمر عدداً من تلك المحطات التي كانت تتلقى دعماً من وكالة "أونروا" أو من برنامج الأغذية العالمي، خصوصا تزويدها بالوقود من أجل توفير المياه للنازحين.
تتواجد الخمسينية الفلسطينية سمر بكر في أحد الخيام بمنطقة المواصي، وتؤكد أن جميع العائلات النازحة تضم مرضى وجرحى، وأن عائلتها تضم اثنين من ذوي الإعاقة العقلية، والجميع منذ أكثر من شهرين بلا علاج أو رعاية، وهي شخصياً مصابة بالتهاب الكبد الوبائي الفئة "أ"، ولم تحصل على أية أدوية منذ بدء العملية العسكرية في رفح، وكان لديها موعد للمراجعة في مستشفى أبو يوسف النجار قبل أيام من بدء الاجتياح، لكنها لم تستطع الذهاب، ثم خرج المستشفى من الخدمة.
تضيف بكر لـ"العربي الجديد": "سُجلت قبل ستة أيام لدى وكالة أونروا، فأنا بحاجة للعلاج، وكذلك أبناء شقيق زوجي، والذين استشهد والدهم في العدوان، لكني لم أتلق أي رد من الوكالة حتى الآن، ومثلي المئات ممن يبحثون يومياً عن سبل العلاج أو الحصول على الدواء. حتى أننا لا نحصل على طعام لائق، ونتنقل منذ أيام بين الخيام، وكثير من العائلات مضطرة للبقاء في المنطقة التي سُجلوا فيها حتى يحصلوا على المساعدات الغذائية".