استمع إلى الملخص
- **معاناة السجن والتمديد**: اعتُقل مقداد في 2002 وحُكم عليه بالسجن 21 عامًا، لكن الاحتلال مدد اعتقاله تحت ذريعة "مقاتل غير شرعي" حتى يوليو 2023، حيث تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي.
- **تفاصيل الفاجعة**: استشهدت ابنة يوسف، هيا، مع عائلتها في قصف إسرائيلي، مما حرمهم من الاحتفال بالإفراج عنه.
لم تكتمل فرحة الأسير المحرر يوسف مقداد من مدينة غزة بالخروج من سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد قضاء أكثر من 21 عاماً متنقلاً بين معتقلاته، إذ صُدم باستشهاد ابنته هيا وزوجها وأحفاده وعدد من أبناء عائلته الذين كانوا يرقبون بفارغ الصبر لحظة الإفراج عنه.
ولا يزال الفلسطيني مقداد تحت تأثير صدمة فقد 13 من عائلته التي يرفض تصديقها حتى اللحظة، إذ كان يحسب الأيام والساعات والدقائق للخروج ورؤية أفراد عائلته واحتضانهم بعد أكثر من عقدين خلف قضبان السجون الإسرائيلية، عانى خلالها من مختلف الممارسات والانتهاكات بحق الأسرى.
وسبق مأساة مقداد مع الفقد سلسلة طويلة من أصناف المعاناة، منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، إلا أن تلك المعاناة تضاعفت داخل السجون الإسرائيلية مع بدء العدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث مدد الاحتلال فترة اعتقاله تحت ذريعة أنه "مقاتل غير شرعي".
ويقول المُحرر يوسف مقداد لـ"العربي الجديد" إن قوات الاحتلال اعتقلته في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2002 من منزله في منطقة تل الهوى جنوبي مدينة غزة، وقد حكم 21 عاماً قضاها بصعوباتها ومعاناتها في انتظار تاريخ 13 نوفمبر 2023، وهو التاريخ المقرر للإفراج عنه، إلا أن ذلك لم يتم بفعل سياسة المماطلة الإسرائيلية، والتي زادت حدتها مع بدء العدوان على القطاع.
يوسف مقداد والمعاناة في سجون الاحتلال
ويوضح مقداد أن الاحتلال لم يلتزم بموعد الإفراج عنه، واستبدله بمحكمة أخرى تمت عبر شاشة تلفاز، تلقى عبرها نبأ تمديد اعتقاله لمدة ستة شهور قضاها تحت التعذيب الجسدي والنفسي والتنقل ببن السجون والمعسكرات، تلاها حكم آخر لستة شهور أخرى، إلى أن جرى الافراج عنه مطلع شهر يوليو/ تموز الماضي بفعل اكتظاظ السجون بالأسرى الفلسطينيين من غزة، والذين جرى اعتقالهم منذ بدء الحرب. ويصف الشهور السبعة الإضافية التي قضاها في السجن التي تزامنت مع العدوان بأنها "أصعب أيام حياتي، وقد فاقت في قساوتها 21 عاماً من الأسر مجتمعة".
ويلفت مقداد إلى أن الاحتلال الإسرائيلي تلاعب بمشاعره وأعصابه حتى اللحظة الأخيرة هو ومن رافقه لحظة الإفراج، حيث قام بتعصيب أعينهم، ونقلهم إلى أماكن مجهولة وسط أجواء ترهيبية أوصلتهم للاعتقاد بأن الاحتلال سيقوم بتصفيتهم، خاصة في ظل فرض جلسات قاسية وطريقة تحرك محدودة، إلى أن جرى إطلاق سراحهم عبر نقطة "كيسوفيم" العسكرية شرق المحافظة الوسطى، والطلب منهم الركض بسرعة على الرغم من عدم معرفتهم بالمكان، في إشارة إلى إمكانية إطلاق النار عليهم في حال عدم امتثالهم للأوامر، وقد استدل ومن معه عبر أشخاص على الطريق إلى أن وصلوا لمدخل مدينة دير البلح.
ولم يجد يوسف مقداد ابنته هيا في استقباله، والتي تركها لحظة اعتقاله وهي في الصف الأول الابتدائي، وقد كبرت وتزوجت وأنجبت أربعة أطفال، كانوا جميعهم وبرفقة والدهم فادي عبدو ضحايا قصف إسرائيلي استهدف منزلهم في مدينة غزة. يضيف: "لم أكن أصدق طيلة الشهور الماضية الحوادث المأساوية التي حصلت مع عائلتي والتي أخبرني عنها المحامي، حتى لحظة الإفراج عني، كانت صدمة كبيرة، لا زلت أرفض تصديقها، ويخيل لي في كل لحظة أنني سأحتضن ابنتي وأحفادي وباقي أفراد عائلتي، الذين حرمني الاحتلال من رؤيتهم طوال سنوات اعتقالي، كما حرمني رؤيتهم إلى الأبد خلال الحرب".
وتقول ريم مقداد، وهي زوجة الأسير المحرر، إن الأحداث المتتالية خلال العدوان، والتي تسببت باستشهاد ابنتها وزوجها وأحفادها وعدد من أفراد العائلة حرمتهم من فرحة استقبال زوجها بعد الفترة الطويلة التي قضاها خلف جدران السجون الإسرائيلية، وأفشلت كل المخططات والتجهيزات الخاصة بالاحتفال، والتي كانت تحضرها العائلة لاستقباله.
وتلفت مقداد لـ"العربي الجديد" إلى أنها اضطرت للنزوح برفقة عائلتها أكثر من مرة، وصولا إلى مدينة دير البلح، فيما بقيت ابنتها هيا وزوجها فادي وأحفادها ريم ومريم وعمر وكرم داخل بيتهم في شارع الجلاء، قبل نزوحهم إلى منزل عائلة زوجها في حي الرمال وسط مدينة غزة، إثر تدمير البناية السكنية التي كانوا يقطنون فيها.
وعن تفاصيل الحادث، تقول الأم المكلومة: "تعرضت أسرة ابنتي للكثير من لحظات القلق والتوتر بفعل الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة لمنطقة سكنهم، كان آخرها نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، والذي صادف التاسع عشر من شهر رمضان، حيث تعرض المنزل للقصف دون أي تحذير مسبق خلال اليوم العاشر للعملية العسكرية الإسرائيلية الثانية في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه، ما أدى إلى استشهادهم جميعا".
وتتابع مقداد، التي لم تتمالك دموعها خلال الحديث: "كانت المحادثة الأخيرة بيني وبين ابنتي، والتي تبادلنا فيها الصور، تسألني عن موعد خروج والدها من الأسر، كانت مشتاقة إلى رؤيته واحتضانه (..) استذكرنا لحظتها كل التحضيرات التي قمنا بتجهيزها لاستقبال أسيرنا المحرر، والتي لم يتبق منها سوى شراء الأثواب، كانت هيا تود شراء ثوب وطرحة بيضاء لتعويض والدها الذي لم يرها في ثوب فرحها الأبيض".