الهجرة... خيار الشباب في ليبيا

30 أكتوبر 2020
لا خيار سوى الهجرة (بابلو غارسيا/ فرانس برس)
+ الخط -

تزداد الضغوط على الشباب في ليبيا. وفي ظل واقع معيشي صعب وارتفاع نسبة البطالة، يصبح خيار الهجرة أولوية، وإن  اضطر البعض إلى سلوك طريق الهجرة السرية. ويوماً بعد يوم، تزداد أعداد الراغبين في الهجرة. يقول عبد الحكيم غيث، وهو عشريني من مدينة بني وليد: "الحرب التي لم تتوقف، وأموالنا التي تسرق أمام أعيننا من فاسدين في الحكومات، وانتظار تنفيذ الوعود، كلّها أسباب تدفعني إلى الهجرة"، لافتاً إلى أنّه عاطل من العمل منذ تخرّجه من الجامعة قبل أربع سنوات. 
في هذا السياق، تقول الباحثة الاجتماعية حسنية الشيخ إن البطالة هي "تأشيرة السفر الأولى" في أوساط الشباب الليبي، موضحة أن ارتفاع نسبة البطالة في بلد نفطي يعدّ مؤشراً لم يعد يلفت انتباه المسؤولين الذين ساهموا في زيادة الأوضاع سوءاً.
دوافع غيث لا تختلف عن دوافع صديقه إسماعيل الجدك، الذي يعيش في إيطاليا حالياً بعدما ركب قارباً مع مهاجرين سريين من جنسيات أفريقية، وقد أوصلتهم سفينة إنقاذ دولية إلى سواحل إيطاليا الجنوبية في منتصف العام الماضي. يقول إن صديقه حصل على فرصة عمل "تحفظ ماء وجهه أمام أسرته والمجتمع، وقد تجاوز الثلاثين من العمر من دون أن يجد عملاً". 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وليس لدى الجهات الرسمية في ليبيا، سواء وزارة الشؤون الاجتماعية أو جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، أي أرقام حول أعداد المهاجرين عبر البحر أو الذين تقدموا بطلباتهم إلى المنظمات الدولية المعنية باللجوء، بحسب الشيخ. وتقول: "الإهمال الرسمي لهذه الظاهرة المتنامية يساهم في زيادة أوضاع الشباب سوءاً، وقد انطلق بعضهم في تظاهرات حاشدة في أغسطس/ آب الماضي مطالبين بالقضاء على الفساد، غير آبهين بالرصاص".
واستجابة للاحتجاجات التي شهدتها طرابلس في نهاية أغسطس الماضي، كلفت حكومة الوفاق الوطني وزارة العمل بفتح الباب أمام الراغبين في التوظيف، وبدء حصر أعداد الخريجين العاطلين من العمل، تمهيداً لاتخاذ إجراءات لتعيينهم في القطاع الحكومي قبل نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، لكن وزارة العمل أعلنت في وقت لاحق، أن عدد الباحثين عن عمل والمسجلين لديها بلغ 128 ألفاً و679 شخصاً، من دون توضيح إجراءاتها بشأن توظيفهم.
ويقول الناشط المدني الليبي بشير امبارك إنّ تلك الإجراءات هي مجرد "مُسكّن لغضب الشارع"، مشيراً إلى توظيف 30 ألف شاب من دون أن يتقاضوا ديناراً واحداً. ويوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مثل هذه الإجراءات لن تلغي قرارات توظيف غير المؤهلين في قطاعات الدولة الأساسية نتيجة المحسوبيات، مؤكداً أن العامل الاقتصادي، ثم العامل الأمني، يدفعان الشباب إلى الهجرة وبدء حياة جديدة خارج البلاد.  

ربّما يعانون من البطالة (عبد الله دوما/ فرانس برس)
ربّما يعانون من البطالة (عبد الله دوما/ فرانس برس)

 

وتلفت الشيخ إلى أنه، بحسب استبيان أعدّته إحدى المؤسسات الإعلامية في الاتحاد الأوروبي بشأن الليبيين الراغبين في الهجرة، تبين أن 71 في المائة من المستطلعة آراؤهم يرغبون في الهجرة.
وبحسب الاستبيان، فقد بلغت نسبة الراغبات الإناث في الهجرة 20 في المائة. كذلك، بيّنت النتائج أنّ 79 في المائة من مجمل المشاركين الراغبين في الهجرة يؤكدون أن العامل الاقتصادي هو دافعهم الأول، وتحديداً عامل البطالة. وتوضح الشيخ أنه مر على الاستبيان عامان، لكن الأسباب لم تتغير.  
من جهته، يتحدث علي زرموق عن مزاولته عدة مهن، كانت آخرها الحلاقة في محل صغير افتتحه في منطقته في العجيلات، غرب طرابلس، لكنه لم يجد من خلاله أي أمل بالمستقبل، مشيراً إلى أنه مهندس جيولوجي، ما يعني أن فرص العمل في مجال تخصصه متوفرة في ليبيا، "لكن المؤهلات لا توظف، بل المحسوبية". 

ومنذ مارس/ آذار عام 2019، قدّم زرموق طلب لجوء إلى المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ونتيجة لعدم التجاوب مع طلبه، بدأ يفكّر في الهجرة إلى تركيا. ويقول: "ادخرت مبلغاً مناسباً من المهن التي عملت فيها قد يكفيني ثلاثة أشهر، لكنني على يقين من أنني سأجد عملاً مناسباً". ولا يطمح زرموق، بحسب حديثه لـ"العربي الجديد"، في أن يعمل مهندساً بحسب شهادته، بل سيبحث عن عمل يوفر له هامشاً للادخار. ويؤكّد أن "الشباب هنا لا يرغبون في ترك البلاد نهائياً، وسأعود يوماً إليها وأشارك في بناء بلدي كغيري".
وبحسب بيان لمركز المعلومات والتوثيق التابع لوزارة العمل والتأهيل في يوليو/ تموز الماضي، فإنّ عدد الموظفين في القطاعات العامة يقدّر بمليون و330 ألف موظف، وهو رقم لا يساهم في القضاء على البطالة والحد من أسباب هجرة الشباب الليبي.
من جهته، يوضح امبارك أنّ الحديث عن الأرقام غير كاف، إذ يجب التركيز على قيمة راتب الموظف والمصاريف الشهرية، مشيراً إلى أن راتب الموظف يغطي ثلث المتطلبات المعيشية في البلاد بعد انخفاض قيمة الدينار الليبي والارتفاع الجنوني للأسعار. ويلفت إلى صعوبة القضاء على البطالة في البلاد في المستقبل القريب "لذلك، فالحل يكمن في تشجيع القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة لاحتواء الشباب وتوفير فرص عمل لهم".