"لا يهمّني الحزب أو الانتخابات بقدر ما سأجنيه نهاية كل يوم" يقول الثلاثيني عدنان الرامي لـ "العربي الجديد"، في إشارة إلى عمله في مواسم الانتخابات. يضيف: "إذا كانت الحملة الانتخابية بالنسبة للأحزاب السياسية المتنافسة فرصة لترويج برنامجها السياسي واستمالة الناخبين، فإن العمل فيها يعتبر فرصة مؤاتية لجني بعض المال الذي يعينني في حياتي". اختار الرامي العمل في الحملة الانتخابية في إطار انتخابات المجالس الجماعية (البلدية والقروية) التي تُجرى يوم غد الأربعاء، لمرشح حزب "الأصالة والمعاصرة" بدائرة سلا المدينة محمد النجار. يقول إنه بعدما فقد عمله من جراء تداعيات تفشي فيروس كورونا الجديد في البلاد، اضطر إلى الالتحاق بالحملة، وتولي تعليق الملصقات وتوزيع المطويات والمشاركة في المسيرات الانتخابية للتعريف بالمرشح وبرنامجه الانتخابي وترديد الشعارات.
يتخذ الرامي ونحو عشرين شاباً آخرين من أحد المقاهي في حي اشماعو في مدينة سلا (القريبة من العاصمة الرباط) منصة للانطلاق في العمل الدعائي لمرشح حزب "الأصالة والمعاصرة"، من خلال مسيرات تجوب أحياء الدائرة وأسواقها للتعريف به وببرنامجه الانتخابي في مقابل 100 درهم (نحو 11 دولاراً) يومياً.
ومع كل استحقاق انتخابي في البلاد، يختار آلاف الشباب في مختلف المدن العمل في الدعاية الانتخابية، من أجل جني بعض المال الذي يتيح لهم تأمين مصاريفهم أو مساعدة أسرهم. ويعمل البعض مع أكثر من حزب ومرشح في وقت واحد من أجل مضاعفة دخله من عمل مؤقت سينتهي مع إعلان نتائج الانتخابات.
من جهته، يقول زكرياء الحامدي، الذي يعمل في الحملة الانتخابية لمرشح حزب "الحركة الشعبية" إدريس السنتيسي، بدائرة سلا المدينة، لـ "العربي الجديد": "عملنا لا يخضع لأي تنظيم أو تأطير. ما يهمني هو ضمان دخل يومي يصل إلى 200 درهم (نحو 22 دولاراً) من خلال عملي مع حزبين مختلفين". يضيف: "ما يروقني أن لا شيء يمنعني من العمل مع أكثر من حزب ومرشح في وقت واحد".
ويشير إلى أن موسم الانتخابات يشكل فرصة للأشخاص العاطلين عن العمل لتأمين بعض المال وأحياناً مضاعفة الأرباح، وإن كان العمل تشوبه مخاطر أحياناً من جراء تبادل الاعتداءات بين الشباب العاملين في الحملات الانتخابية المختلفة.
وشهدت الأيام الأولى للحملة الانتخابية، التي تنتهي منتصف ليل اليوم، أعمال عنف في العديد من الدوائر الانتخابية، كما هو الحال في ضواحي مدينة الدار البيضاء، حيث تعرض عدد من مرشحي حزب "الأصالة والمعاصرة" للرشق بالحجارة من قبل منتمين لحملة حزب "التجمع الوطني للأحرار". وأثار الحادث ردود فعل رافضة ومطالبة بفتح تحقيق في الحادث من قبل قيادة "الأصالة والمعاصرة" وهيئات سياسية أخرى، والتدخل فوراً لحماية مرشحي الحزب ومتابعة كل المتورطين.
حادث ضواحي الدار البيضاء ليس الوحيد، إذ سجلت حوادث مماثلة في مناطق أخرى من المملكة. وشهدت مدينة بني ملال (وسط المغرب) أخيراً مواجهات دامية بين مشاركين في الحملة الانتخابية لحزبي "الأصالة والمعاصرة" و"الحركة الشعبية"(مشارك في الحكومة)، ما أدى إلى إصابة نحو 40 مشاركاً، إصابة أحدهم خطيرة.
وتعيد أحداث العنف الحديث عمّن باتوا يُعرَفون في المغرب بـ "البلطجية"، أي الشباب من أصحاب السوابق، الذين يلجأ إليهم عدد من المرشحين في الانتخابات خلال تحركاتهم الانتخابية، وخصوصاً في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية، إذ يوفرون لهم الحماية الجسدية خلال تنقلاتهم بين الدوائر، كما يتولون تأمين حملاتهم وعدم تعرضها لأي اختراق وتدخل من العاملين في صفوف الحملات المنافسة في مقابل الحصول على مبلغ مالي يومي متفق عليه بين الطرفين. كما يلعب "البلطجية" دوراً في استقطاب الناخبين وتوزيع المناشير الانتخابية، ويعملون كوسطاء لتقديم المال إلى الناخبين أو ترهيبهم في بعض الحالات.
وفي وقت يجد العديد من المرشحين أنفسهم مضطرين إلى الاستعانة في حملاتهم الانتخابية بأشخاص غرباء عن أحزابهم في مقابل أجر يومي، يلجأ مرشحون آخرون إلى أعضاء أحزابهم والمتعاطفين معهم، الذين يملكون القدرة على شرح البرنامج الانتخابي والتفاعل مع الناس.
إلى ذلك، يقول مرشح "فيدرالية اليسار الديمقراطي" بدائرة سلا المدينة، منتصر ساخي لـ "العربي الجديد "، إنّه يعتمد في حملته الانتخابية بالدرجة الأولى على المتطوعين من حزبه، لافتاً إلى أن "هناك العديد من الشباب الذين يرغبون في التطوع معه، إلا أن غياب الإدارة يعيق الأمر، فنكتفي بدعوة الناس إلى دعمنا عبر المواقع الإلكترونية أو دعوة عائلاتهم إلى التصويت لصالحنا".
ومنذ انطلاق الحملة الانتخابية تمهيداً ليوم الانتخابات غداً الأربعاء، يواصل وكيل لائحة تحالف فيدرالية اليسار الديمقراطي (يتألف من حزبي الطليعة الاشتراكي الديمقراطي والمؤتمر الوطني الاتحادي)، حملته الانتخابية في مختلف أحياء المدينة، بمؤازرة عشرات المتطوعين المنتمين إلى التحالف. ويتوزع المتطوعون في حملة مرشح "فيدرالية اليسار الديمقراطي" إلى مجموعات تتنقل بين أزقة وأحياء وأسواق منطقة تابريكت وبطانة وأحياء الرحمة وسيدي موسى والسلام وباقي أحياء الدائرة الانتخابية، لتعريف الناخبين بالبرنامج الانتخابي لمرشحهم، ومحاولة إقناعهم بأنّ "صوتهم لا يقبل المتاجرة، وأنه طريق لمغرب آخر ممكن... مغرب الكرامة والعدالة الاجتماعية والحقوق والحريات".