انتقام الحيوانات

ليس الانتقام حكراً على البشر، إذ رُصد كذلك في عالم الحيوان، ويقول الخبراء إنه أكثر وضوحاً في عوالم الرئيسيات، ولأن للقرود مجموعات كما هي قبائل البشر، فما أن يقتل أحدها حتى يكون الرد بقتل القرد القاتل نفسه، وإن تعذّر الأمر بسبب قوته وقدرته على الهرب، يلجأ أقارب المقتول إلى الانتقام من أقارب القاتل، مثل زوجاته، أو أطفاله أو أي من أقاربه، تماماً مثلما يحدث في قضايا الثأر المنتشرة في عدد من البلدان.
في البادية دائماً يحدثونك عن شراسة الإبل عند الانتقام، وقد وقفنا على قصة ذلك البعير الذي خطط للانتقام من صاحبه، ولما كان الأعرابي يدرك نية البعير، فقد وضع في محل مرقده دمية صنعها من الأحجار والأقمشة، فما كان من البعير إلا أن جثا فوقها ليلاً ومزقها بصدره، وحين تبيّن الخدعة راح يضرب عنقه بساق شجرة حتى مات.
تأتي أحداث الركل والنطح والعض وغيرها من الحيوانات لبعضها البعض، أو لبني البشر ضمن استراتيجيات الدفاع عن النفس لحظة الهجوم، لكن الانتقام المخطّط له والمنفّذ بعد حين من حدوث الأسباب، ذلك ما عُرف بالانتقام. وأجرى علماء من مشروع "أمبوسيلي" لأبحاث الفيلة دراسة قبل نحو عقد ونصف العقد، أثبتت أن العدد المتزايد لحوادث مهاجمة الفيلة الأفريقية لقرى أو مجتمعات البشر، تتعلق بمساعيها للانتقام من البشر بسبب قتلهم الفيلة، وخصوصاً صغيرة السن.
وفي عالم الخفافيش، يموت الصغار بعد الساعة السبعين من الحرمان من الغذاء الذي لا يعدو أن يكون دماً تجمعه الأمهات في حوصلة بالحلق. وتقوم الأمهات بإطعام صغارها وصغار الأمهات الأخريات، فالجميع يطعم الجميع. لكن إن اكتشفت الأمهات أن إحداهن منتفخة الحوصلة، لكنها لا تطعم صغارها، تكون النتيجة امتناع باقي أمهات المجموعة عن إطعام أطفال تلك الأم. وحدث الأمر حين حُقنت حوصلة إحدى الأمهات بالهواء، بواسطة العلماء، لإثبات السلوك.

موقف

التحديثات الحية

كارثة الحر

الانتقام سلوك يتعدّى البشر والحيوانات الكبيرة والصغيرة إلى الحشرات. وحكى أحد الجنرالات الذين شاركوا في حرب جنوب السودان، أنه قطع بحذائه الطريق على رتل من النمل يمشي في الغابة بانتظام، كأنه قوة عسكرية. وجمع جنوده ليروا كيف يتصرف النمل، فوجدوا أنه ما إن يصل إلى نقطة الانقطاع حتى ينقسم إلى مجموعتين تلتفان حول النقطة، ثم تلتقيان بعدها لمواصلة المسير. وفي تلك الليلة، قطع الجنرال نومه وهو يحس لدغات متواصلة في كل جسده، وحين أشعل مصباحه وجد آلافاً من النمل تشاركه الفراش، وقد دخلت من نافذة الغرفة. 
وهكذا نجد أن الانتقام خارج عالم البشر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بردة فعل ما. فما بال البشر يمارسونه على من لم يطأ لهم على طرف؟
(متخصص في شؤون البيئة)