وصلت أم سعيد (62 سنة) برفقة أبنائها وأحفادها إلى مدينة الإسكندرية، في سيارة نقل ركاب "ميكروباص"، استقلوها من قريتهم في محافظة المنوفية، في يوم وقفة عرفات، لقضاء فترة العيد على شواطئها وبين شوارعها المفعمة برائحة اليود المميزة، لكنهم على غير المتوقع، لم ترتسم على وجوههم ملامح الفرحة.
سيطرت مشاعر الحيرة والخوف على العائلة من مصير غامض ينتظرهم تحت سقف شقة مصيفية في عقار قد يكون في طريقه إلى الانهيار، كما حدث في انهيار عقار ميامي ذي الـ14 طابقاً، الذي خلف قتلى ومصابين تحت أنقاضه قبل 48 ساعة فقط من أول أيام العيد.
تحتاج العائلة المكونة من جدة و3 أبناء و5 أحفاد إلى شقتين على الأقل في عقار قريب من الشاطئ لضمان قضاء وقت مصيف مميز، وبدلاً من سؤال الابن سعيد عبد المنعم (37 سنة)، وهو مهندس، عن أسعار الوحدات المصيفية ودرجة قربها من الشاطئ وتوافر الخدمات المحيطة بها، كان شاغله الأكبر هو السؤال عن متانة العقار، ومعاينة مظهره الخارجي خوفاً من مصير ساكني عقار ميامي.
يقول عبد المنعم: "كنت أرغب في إلغاء الرحلة المصيفية، لكن إلحاح الأطفال أجبرني على تنفيذها، على الرغم من الخوف الذي تملكنا جميعاً بعد سماع أخبار انهيار عقار يُستخدم في التأجير للمصطافين فوق رؤوس قاطنيه". قالها بتوتر وقلق، وأكدتها شقيقتاه.
تقول شقيقته مها عبد المنعم، وهي ربة منزل (35 سنة)، إن القلق والخوف لم يكن سببهما الوحيد صور انهيار عقار ميامي، بل السيل الجارف من التقارير الإخبارية التي امتلأت بها المواقع الإخبارية والقنوات الفضائية، والتي تتحدث عن انهيار عشرات العقارات فوق رؤوس ساكنيها خلال الشهور القليلة الماضية، والتي عادةً ما تُخلف قتلى ومصابين.
وأضافت: "نريد أن نقتطع من الزمن أسبوعاً سعيداً مميزاً في المصيف، ونعود من حيث أتينا كاملي العدد بلا مفقودين ولا مصابين، ولكننا بمجرد الوصول إلى الإسكندرية والنظر إلى العقارات المقابلة للشاطئ، مرّت أمام أعيننا صور العقار المنهار والجثامين والمصابين المنقولين من تحت أنقاضه إلى سيارات الإسعاف".
من أسرة أم سعيد، إلى أسرة رجب صالح، وهو موظف أربعيني، كان برفقة زوجته وابنتين وولد، وقد أتوا من محافظة الشرقية بحثاً عن شقة مصيفية لمدة ثلاثة أيام في الإسكندرية، وشرطهم الوحيد أن تكون في عقار جديد البناء نسبياً، لا عقار من ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي.
يقول صالح لـ"العربي الجديد": "السماسرة يتعجبون من طلباتي، فالمعتاد هو السؤال عن مساحة الشقة، وعدد غرفها، وتكلفتها، أو ما إذا كانت ترى البحر من نوافذها، لكنني أستشعر الخطر منذ انهيار عقار ميامي، فأسأل أولاً عن تاريخ إنشاء العقار، وهو ما لا أجد إجابة عنه من السماسرة. أحدهم تعجب من سؤالي، وقال لي إنه ليس من حقي أن أعرف تاريخ إنشاء العقار، لأنني لن أشتريه، بل سأستغله لمدة 3 أيام فقط ثم أغادر، فقلت له إن سكان عقار ميامي لم يكونوا ينوون شراءه أيضاً، لكنهم غادروه جثثاً هامدة ممزوجة بإسمنت الأسقف والجدران.
ويشير صالح إلى أنه يبحث عن عقار يكون تاريخ بنائه في مطلع الألفية الجديدة، وليس قبلها، ولا في وقت الثورة (2011- 2013)، إذ شهدت تلك الفترة بناء العديد من العقارات المخالفة دون التزام اشتراطات البناء القياسية.
الأمر ذاته يؤكده شقيقة الأصغر، الذي يقول إنه اشتمّ رائحة الموت بمجرد وصوله إلى الإسكندرية، وعلى الرغم من الحماسة والنشاط الذي حركهم من مدينتهم، إلا أنهم بعد الوصول تملكهم الخوف من السكن في شقة مصيفية غير مضمونة.
وتتكرر حوادث انهيار العقارات في الإسكندرية نتيجة انتشار العقارات الصادر بحقها قرارات إزالة أو ترميم، لكنها لم تُنفّذ، فضلاً عن ارتفاع نسب مخالفات البناء خلال السنوات الأخيرة، واستخدام مواد غير مطابقة للمواصفات، وعدم الحصول على التصاريح اللازمة، ما خلف العشرات من القتلى والمصابين منذ مطلع العام الحالي.
وحول أسباب استمرار ظاهرة انهيار العقارات، يقول رئيس شعبة البناء باتحاد الغرف التجارية، أحمد الزيني، إن السبب الرئيسي وجود عيوب فنية ناتجة من سوء استخدام مواد البناء، وتجاوز الارتفاعات المقررة. ويضيف: "أغلب الانهيارات يحدث لعقارات قديمة متهالكة لا تجري صيانتها، أو لعقارات جديدة مخالفة في الارتفاعات ومواد البناء، وهذه مظاهر واضحة للفساد والإهمال وجشع المقاولين، بالإضافة إلى غياب دور المحليات في الرقابة والمتابعة".
ويشير أمين صندوق الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، محمد عبد الرؤوف، إلى زاوية أخرى للأزمة، قائلاً إن "من بين أهم أسباب الظاهرة أن قانون الإيجار القديم يكبّل يد المالك في إجراء أي صيانة للعقار؛ لأن الكثير منها قيمتها الإيجارية بضعة جنيهات، وملكيتها تفرّقت بين الورثة، ومن ثمّ يجب تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر للحد من الانهيارات". ويطالب بسرعة حصر العقارات التي تشكل تهديداً على حياة المواطنين للوقوف على حجم المشكلة.
ويرى عضو مجلس النواب، عبد الفتاح محمد، أن "مشكلة انهيارات العقارات في الإسكندرية، تنقسم إلى جزأين: الأول هو المباني القديمة المتهالكة التي لا بد من حصرها وترميمها، أو إزالتها مع توفير البديل لسكانها، والثاني هو مواصفات المباني الحديثة التي تعاني من خلل في إدارة منظومة البناء بشكل عام، وأي خلل في أي عنصر من عناصر هذه المنظومة التي تمر بمراحل مختلفة يؤدي إلى سقوط المبنى". وأضاف النائب أن "المباني الحديثة التي لم تلتزم أصول البناء معرضة للسقوط في أي وقت في حالة حدوث هبوط في التربة أو تسرب مصادر مياه إليها، وهناك عدد من العقارات المنهارة في الفترات الأخيرة؛ بسبب المخالفات في البناء، خصوصاً أن الإسكندرية تحوي أبراجاً عالية، الكثير منها مخالف للاشتراطات".
وقال عضو مجلس النواب، محمود عصام، إن محافظة الإسكندرية فيها أكثر من 7 آلاف عقار آيل إلى السقوط، ومعظمها مأهول بالسكان، وهي تهدد أرواح قاطنيها والمارة. وطالب الحكومة بتشكيل لجنة لحصر العقارات التي صدر لها قرارات ترميم أو إزالة، وتنفيذ هذه القرارات فوراً، وتحديد الجهة المسؤولة عن تأخير تنفيذ القرارات.