"انهيار وشيك" لمهنة طب الأسنان في العراق لهذا السبب

22 سبتمبر 2024
في عيادة طب أسنان ببغداد، العراق، 15 سبتمبر 2020 (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **زيادة أعداد خريجي طب الأسنان في العراق:** بعد 2003، ارتفعت الجامعات الأهلية بنسبة 500%، مما أدى إلى تخريج أعداد كبيرة من طلاب طب الأسنان غير المؤهلين، مما أثر سلباً على وزارة الصحة وتعيينات خريجي الجامعات الحكومية وحياة المواطنين.

- **تحذيرات ومطالبات نقابة أطباء الأسنان:** حذرت النقابة من خطورة الوضع بسبب سوء التخطيط وفتح كليات عشوائية، وطالبت بتنفيذ توصيات لتقليل أعداد القبول ووقف استحداث كليات جديدة وتطبيق معايير صارمة.

- **آراء المتخصصين والحلول المقترحة:** أكد المتخصصون أن سوء التخطيط والربح أثر على المهنة، واقترحوا معايير صارمة للقبول ورفع المعدل إلى 95، مع تحمل الجهات المعنية مسؤولية تنظيم الملف بشكل أفضل.

تكثر التحذيرات في العراق من "انهيار وشيك" لمهنة طب الأسنان بسبب أعداد المتخرجين الكبيرة من الجامعات الأهلية التي تفوق حاجة البلد الفعلية بكثير، مع المطالبة بوضع حدّ للتهديد من خلال اعتماد معايير مهنية لانتساب الطلاب في تلك الجامعات. وكان العراق قد شهد، بعد عام 2003، ارتفاعاً كبيراً في عدد الجامعات الأهلية بنسبة تخطّت 500%، لتبلغ 66 جامعة تحظى باعتراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وتضمّ هذه الجامعات أكثر من 570 قسماً في اختصاصات الطب والهندسة والعلوم الإنسانية، في حين أنّ عدد الجامعات الحكومية 35 جامعة فقط.

وقد استقطبت كليات طب الأسنان في الجامعات الأهلية الطلاب الذين لم يحصلوا على درجات تؤهلهم للحصول على الأقسام المناظرة في الكليات الحكومية التي لا تقبل بأقلّ من معدّل 99، في وقت تقبل الأهلية معدّلات وصلت إلى 79، الأمر الذي تسبّب في زجّ أعداد كبيرة في تلك الكليات. وقد خرّجت كليات طب الأسنان في الجامعات الأهلية دفعات كبيرة من طلاب غير مؤهلين لممارسة المهن الطبية، وهو ما مثّل عبئاً على وزارة الصحة، وأثّر في تعيينات خريجي الجامعات الحكومية، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية لتلك المخرجات على حياة المواطنين.

وفي منتصف يوليو/ تموز الماضي، طالبت الحكومةُ العراقية وزارةَ التعليم العالي بأن تتولّى وقف استحداث كليات وأقسام طبية في الجامعات والكليات الأهلية الحالية أو التي قد تُنشأ مستقبلاً، وعلى وفق المعايير المعتمدة، إلا أنّ التوجيه الحكومي لم يدخل بعد حيّز التنفيذ، الأمر الذي زاد من مخاوف استمرار فوضى تلك الجامعات.

من جهتها، حذّرت نقابة أطباء الأسنان في العراق من خطورة الأمر، وأوضحت أنّ "هذه المهنة باتت أمام عجز كبير لانتشالها من الدمار الذي حلّ بها جراء زيادة الأعداد فوق الحاجة الفعلية للبلد". أضافت النقابة، في بيان صادر أمس السبت، أنّ "زيادة هذه الأعداد فوق الحاجة الفعلية جاءت نتيجة سوء التخطيط لسنوات متعاقبة في فتح كليات طب الأسنان وزيادة أعداد القبول فيها". وتابعت بأنّ "الحكومة اليوم تقف عاجزة عن تطبيق قانون التدرّج الطبي النافذ لتعيين أطباء الأسنان خرّيجي عام 2023"، مشيرةً إلى ما تبع ذلك من "إرباك حكومي في تدارك الأزمة آنياً، مع عطف هذه الحال على مصير آلاف الخرّيجين المرتقبين في السنوات المقبلة". وشدّدت نقابة أطباء الأسنان على "أهمية تنفيذ ما جاء في توصيات لجنة الأمر الديواني 92 (القاضي) بتقليل أعداد القبول في كليات طب الأسنان ابتداءً من هذا العام الدراسي (2024-2025)، ووقف استحداث كليات طب أسنان جديدة وتطبيق فعلي وجاد لمعايير الرصانة في الكليات الحالية".

ويرى متخصّصون أنّ سوء التخطيط واعتماد معيار الربح أثّرا بوضوح في المهنة. ويقول طبيب الأسنان خالد المحمدي لـ"العربي الجديد" إنّ "من غير الممكن إنكار التأثيرات السلبية الخطرة لمخرجات الجامعات الأهلية"، إذ "لا يوجد تخطيط قائم على معايير علمية ومهنية". يضيف أنّ "الكليات الأهلية اعتمدت معيار الربح فقط، من دون أيّ شروط أخرى، الأمر الذي أدّى إلى تخريج أطباء أسنان بأعداد كبيرة جداً إنّما لا يتمتّعون بإمكانية علمية تؤهّلهم لممارسة المهنة".

ويشرح المحمدي أنّ "مسؤولية الملف تتحمّله جهات عدّة، أبرزها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الصحة ونقابة أطباء الأسنان"، مشيراً إلى أنّ "قرار الحكومة بعدم استحداث كليات طبية جديدة لا يكفي لضبط الملف. نحن نحتاج إلى وضع معايير صارمة للقبول في الجامعات الأهلية، أبرزها ألا يقلّ معدّل المتقدّم لها عن 95، وفي هذه الحال سنحصل على طلاب يتمتعون بإمكانية علمية أوّلاً، وستكون الأعداد قليلة متناسبة مع حاجة البلد".

في الإطار نفسه، يضمّ الأكاديمي العراقي علي الجميلي صوته إلى أصوات المحذّرين من انهيار المهنة، علماً أنّه كان يتولّى منصب معاون عميد في إحدى كليات طب الأسنان الأهلية في العراق. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الجامعات الأهلية لا تحكمها غير معايير المستثمرين، وهم بمعظمهم من الأحزاب وذوي النفوذ، وقد أسّسوا تلك الجامعات بقصد الربح. وهم يفرضون إرادتهم على الجميع، وقراراتهم نافذة ليس فقط في كلياتهم الخاصة، إنّما يؤثّرون كذلك في القرارات الحكومية التي تخصّ الكليات الأهلية". ويرى أنّ "ما يحصل اليوم يأتي نتيجة سوء تخطيط متراكم لسنوات عدّة، الأمر الذي يستدعي مراجعة سريعة واتخاذ قرارات مناسبة بشأنه".

المساهمون