بؤرة استيطانية تهدد فقدان بلدة سلواد قلعتها التاريخية

02 يناير 2025
المدخل الغربي لبلدة سلواد، 15 يناير 2023 (عصام ريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تهدد بؤرة استيطانية جديدة قلعة سواد التاريخية، التي تعود للقرن التاسع عشر، وتحتوي على آثار فرنجية وأيوبية، وكانت مركزاً للمقاومة الفلسطينية.
- يعاني الفلسطينيون في بلدة سلواد من صعوبة الوصول إلى أراضيهم بسبب البؤرة الاستيطانية، مما يهدد بمصادرة الأراضي الزراعية ويعرض المزارعين لهجمات المستوطنين.
- تتكرر محاولات إقامة الخيام في المنطقة من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين، مما يعكس الاهتمام الإسرائيلي بالقلعة ويهدد بقطع الفلسطينيين عن أراضيهم التاريخية.

مرة جديدة، تهدّد بؤرة استيطانية قلعة سواد التاريخية، علماً أن الاهتمام الصهيوني بدراسة هذه القلعة يعود إلى القرن التاسع عشر، في ظل موقعها الاستراتيجي ومزايا أخرى

غادر الفلسطيني خالد حامد (61 عاماً) أرضه غرب بلدته سلواد، شمال شرق رام الله، منذ حوالي شهر تقريباً، قبل أن ينهي عمله في إصلاح وإقامة سلاسل حجرية فيها. وحتى الآن، لم يستطع العودة لإكمال عمله بسبب إقامة مستوطنين إسرائيليين بؤرة استيطانية جديدة لا تبعد عن أرضه أكثر من 200 متر. ويقول لـ"العربي الجديد" إن الطريق للوصول إلى أرضه يقع إلى جانب خيام المستوطنين، والطريق البديل يمر منه المستوطنون بشكل دوري، موضحاً أنه يراهم بشكل يومي من شرفة منزله، المطلة على أرضه التي ينظر إليها يومياً بحسرة، هو الذي يخدمها منذ أكثر من أربعين عاماً بعدما ورثها عن والده.
يخشى حامد والمزارعون الوصول إلى أراضيهم، في ظل احتمال الهجوم عليهم من قبل المستوطنين الذين يحملون السلاح، وبسبب طبيعة البؤرة الرعوية، كما يقول. يضيف أن الأهالي يخشون السيطرة العملية على مساحات واسعة من أراضي البلدة، أو على الأقل منعهم من حراثة وزراعة أرضهم أو قطف الزيتون.
ورغم السيطرة الفعلية على أكثر من 12 دونماً موزعة على أربعة أراض، كما يؤكد المجلس البلدي لسلواد، والتخوف من الأثر على مساحات أوسع بكثير من الأراضي، فإن الخطر الوحيد ليس على الأراضي الزراعية. فالمنطقة التي أقام المستوطنون عليها خيامهم فيها قلعة تاريخية تحمل اسم قلعة برج البردويل، والاهتمام الصهيوني بدراسة هذه القلعة يعود إلى القرن التاسع عشر (المرة الأولى)، ثم بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967.
ويقول المتخصص بتاريخ سلواد، عبد الكريم عياد، لـ"العربي الجديد"، إن القلعة بناها الملك الصليبي على بيت المقدس "بلدوين"، لتكون نقطة مراقبة وتموين للطريق الواصل بين شمال فلسطين وبيت المقدس، وهي ضمن طريق أوسع يصل بلاد الشام بمصر. كان ذلك الطريق يقع غرب سلواد، ولا يزال يستخدم حتى الآن طريقاً بين شمال الضفة ورام الله، ويسمى حالياً بطريق "عيون الحرامية". ويؤكد عياد أن جيش صلاح الدين قد مرّ من جانب القلعة، وصارت تحت سيطرته، وبقيت بعد ذلك مكاناً للتموين.

من جهته، يؤكد الباحث في تاريخ فلسطين المعاصر عوني فارس، لـ"العربي الجديد"، أن "القلعة اكتسبت أهمية من موقعها الاستراتيجي على تلة عالية لا يقل ارتفاعها عن 800م عن سطح البحر، وكذلك من واقعها التاريخي، ليس فقط لكونها قلعة فرنجية لا تزال آثارها موجودة كبقايا الغرف والآبار والإسطبل، وما يقع أسفل منها من آثار أيوبية من مسجد وخان ومعصرة، اكتشفت خلال شق الطريق الاستيطاني الالتفافي المسمى شارع 60، بل من كونها جزءاً من ذاكرة المقاومة الفلسطينية".
كما يؤكد أنها كانت مركزاً للمقاومين خلال فترة الانتداب البريطاني، بسبب موقعها المطل على منطقة وادي البلاط وعيون الحرامية، حيث كانت تدور مواجهات حامية في فترة الانتداب، وكانت مكاناً للانطلاق لتنفيذ العمليات ضد الجيش البريطاني خلال ثورة 1936 وما بعدها. وأصبحت مكاناً لتدريب عناصر المقاومة عام 1948 لقرابة 60 إلى 80 مقاتلاً، شاركوا في الدفاع عن القدس، وفي معركتي اللطرون والقسطل.

البؤرة الاستيطانية في سلواد (العربي الجديد)
البؤرة الاستيطانية في سلواد (العربي الجديد)

وبقيت علاقتها بالمقاومة بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967؛ فمنذ منتصف السبعينيات كانت مكاناً لتنفيذ عمليات إلقاء حجارة وزجاجات حارقة في اتجاه الجيبات الإسرائيلية، وكانت مكاناً لتحصن المطاردين والاختفاء عن الاحتلال، بحسب فارس. وفي انتفاضة الأقصى عام 2000، كانت تهبط في تلك المنطقة الطائرات العمودية الإسرائيلية بحثاً عن المطاردين من بلدة سلواد والمنطقة الشرقية من رام الله.
ويشير فارس إلى وجود اهتمام صهيوني بالمنطقة، إذ أرسل صندوق استكشاف فلسطين زواراً إلى القلعة عام 1878، وأجروا دراسة عنها، ووصفوا المكان وحجارته، كما زارها في 1919 أحد ضباط الجيش البريطاني الذي أصبح لاحقاً مختصاً بالتاريخ، وأخذ لها أول صورة فوتوغرافية. وبعد عام 1967، زارتها بعثة صهيونية تحت مسمى علماء الآثار، ووضعوا تقريراً عنها. ورغم تاريخها المعروف الذي يعود لما لا يزيد عن 850 عاماً، فإنها لم تسلم من الادعاءات بأنها كانت مستوطنة لليهود القدماء.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وخلال السنوات الماضية، تكرر وضع الخيام سواء لجيش الاحتلال أو المستوطنين في المكان، إما بحجج أمنية لجيش الاحتلال، أو بحجة التنزه للمستوطنين، ولكن لم يكن يستمر ذلك الوجود لأكثر من ساعات أو يوم على الأكثر. ويقول فارس إن هناك إرثاً من الاهتمام الإسرائيلي في المكان، وسواء كان التحرك الحالي للمستوطنين للبؤر الاستيطانية الرعوية كاستراتيجية استيطانية آنية للسيطرة على التلال والأراضي واعياً لهذا الإرث أو غير واع له، فإنه يعتبر امتداداً للاهتمام القديم الذي يتناقله المستوطنون مع الزمن.
وتأخذ البؤرة الحالية، وفقاً لنائب رئيس بلدية سلواد، فريد حماد، شكل البؤرة الرعوية، ويسيطر عليها مستوطن ومعه مجموعة من الأبقار، وهي عبارة عن ثلاث خيام وخزان مياه، أزيلت منها خيمتنا لكن أعاد المستوطن إقامتها. كما يسيطر المستوطنون في المكان على بناء زراعي (عزبة) لأحد الفلسطينيين ويستخدمونها للنوم، وهي قريبة جداً من المنطقة المصنفة (ب) وفق اتفاق أوسلو، ومشرفة وقريبة من مشروع لإسكان الأسرى كان قد بدأ الشروع ببنائه مؤخراً.
وتثبيت البؤرة، وفقاً لحماد، يعني قطع المواطنين بشكل كامل عن منطقة القلعة وأراضيهم هناك، فهم بعد إقامة البؤرة بساعات حاولوا الوصول لأرضهم لحراثتها، فاعتدى عليهم المستوطنون، وقدِم جيش الاحتلال مدعياً أنه سيحل الأمر، لكنه اعتقل سائق جرار زراعي وصادر الجرار الزراعي، بسبب ما قال إنها شكوى من المستوطنين، وهو الواقع المتوقع للمكان في حال استمرت البؤرة التي تعد الثانية التي تحاصر أهالي القرية، وتمنعهم من الوصول إلى أراضيهم، حيث تقام بؤرة أخرى شرق البلدة بينها وبين دير جرير، تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أكثر من 150 دونماً.