تزداد كلفة خدمات رعاية الأطفال في بريطانيا، ما يدفع النساء إلى إعادة التفكير في طموحاتهنّ المهنية. وتضطرّ كثيرات إلى تغيير وظائفهنّ بما يتلاءم مع ظروفهنّ. وتدفع ناتالي فورد (39 عاماً) وزوجها، اللذان يقطنان برينتوود في شمال غرب لندن، أكثر من 900 جنيه إسترليني (نحو 1100 دولار) شهرياً لوضع ابنهما البالغ 19 شهراً في الحضانة بضعة أيام في الأسبوع. ويتخطى هذا المبلغ ما يسددانه شهرياً لقرض الإسكان.
وبعدما رفض صاحب عملها منحها دوامات مرنة أو ساعات عمل عن بعد، اضطرت ناتالي إلى تقديم استقالتها. وحالياً، تعمل لعدد من الشركات من منزلها، بينما ينجز زوجها الذي يعمل في مجال التأمين، بعض مهامه عن بُعد. وتقول: "عندما رُزقت ابني، لم تكن لدي أدنى فكرة عن كلفة الحضانات، لكنني صُدمت بأسعارها".
وباتت خدمات رعاية الأطفال مكلفة جداً، في ظل نظام أحجم خلال السنوات الأخيرة عن توفير مساعدات كافية في هذا المجال، بالإضافة إلى أزمة تضخم تعصف بالبلاد. وفي دور الحضانة، يبلغ متوسط الكلفة الأسبوعية لطفل لا يتخطى السنتين 285 جنيهاً استرلينياً (348 دولاراً)، فيما ترتفع هذه الأسعار في دور حضانات لندن، بحسب جمعية "فاميلي أند تشايلدكير تراست".
تضحيات
ولا توفر السلطات مساعدات كبيرة للأطفال ما دون الثالثة. لكن بعد هذه السنّ، تموّل 15 ساعة من الرعاية الأسبوعية، فيما تتولى دفع كلفة 30 ساعة للأسر الفقيرة. وبريطانيا إحدى دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي الأعلى تكلفة في مجال رعاية الأطفال، إذ تمثل المبالغ المخصصة لهذا الجانب 29 في المائة من دخل الأسرة، في مقابل 9 في المائة في فرنسا. وبالتالي، لا خيار أمام آباء كثيرين سوى العمل لساعات أقل، وغالباً ما تكون الأمهات من يقدّمن تضحيات في هذا الشأن. وتقول ناتالي: "زوجي أب عظيم، لكن أشعر بأنني من تضطر إلى القيام بتضحيات إضافية لأسرتنا".
أما لوسي ميلنز (40 عاماً)، فباتت تقريباً من دون عمل منذ ولادة ابنها الثاني قبل عامين. وتقول: "لم نعد قادرين على التحمّل"، فقررت وزوجها وضع طفلهما في الحضانة ثلاث مرات أسبوعياً. تضيف: "إنه الخيار الأرخص". وتتطلع إلى الحصول على مزيد من الوقت حتى تعثر على عمل إضافي وتخرج أسرتها من "الحلقة المفرغة".
إلى ذلك، تقول مؤسِّسة جمعية "بريغننت ذِن سكرود" جويلي بريرلي: "للمرة الأولى منذ عقود، تُدفع النساء خارج سوق العمل لأنّهنّ مضطرات إلى الاعتناء بأسرهنّ. وتكمن المشكلة في عدم وجود خيارات أمامهنّ".
أثر على المدى البعيد
العام الماضي، وللمرة الأولى منذ 30 عاماً، شهدت معدلات النساء غير العاملات لتوفير رعاية لأسرهنّ ارتفاعاً بنسبة 5 في المائة، كما تظهر الإحصائيات الرسمية. وبلغت هذه النسبة 13 في المائة لدى من تراوح أعمارهنّ ما بين 25 و34 سنة. ومن بين النساء غير العاملات، تؤكد 28.5 في المائة منهنّ أنّهن لا يعملن حتى يوفّرن رعاية لأسرهنّ، بينما بلغت هذه النسبة 6.9 في المائة لدى الرجال.
وتشير شركة "بي دابليو سي" في تقرير حديث، إلى أنّ أثر تكاليف خدمات رعاية الأطفال على عمل المرأة كان أحد الأسباب الرئيسية للفرق الشاسع في الرواتب بين الجنسين. وتؤكد بريرلي أنّ "ذلك سيسبب أثراً كبيراً على المدى البعيد"، لأنّ نساء كثيرات سيجدن أنفسهنّ "في حالة فقر، لأن رواتبهن التقاعدية أقل من تلك الخاصة بالرجال".
ويُطالب أصحاب العمل البريطانيون بإصلاح النظام للمساعدة في لجم أزمة نقص اليد العاملة. وتشير وسائل إعلام عدة إلى أنّ حكومة المحافظين قد تزيد الأموال المخصصة لهذا الموضوع في ميزانيتها المرتقب إعلانها خلال هذا الأسبوع. واضطرت رايتشل هير (39 عاماً)، وهي منسقة ملابس، إلى التوقف عن العمل أيام الاثنين، عندما أنجبت ابنتها العام الماضي، لتوفير تكاليف خدمات رعاية الأطفال، إلا أنها تعوّض نقص العمل في هذه الأيام بالعمل عن بُعد السبت.
واتخذت أخيراً مع زوجها قراراً حاسماً يتمثل بانتقال الأسرة إلى إيرلندا التي تتحدر منها. وتقول: "أدركنا أنه اعتباراً من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، سنضطر إلى الاستدانة"، مضيفةً: "أشعر كأنني أتراجع خطوة إلى الوراء. فالانتقال إلى إيرلندا سيحدّ من تقدّمي في مهنتي، لأنّ الفرص هناك أقل من تلك المُتاحة في بريطانيا".
(فرانس برس)