آثار كورونا الكارثية لم تكن صحية فقط، بل امتدت إلى كثير من الشؤون اليومية، مثل تعزيز قدرة مجرمي الإنترنت على استغلال الأطفال جنسياً، وهو ما يشير إليه ارتفاع أرقام الإساءات.
يحذر خبراء في إساءة معاملة الأطفال، من أنّ الاتجاه المتزايد في استغلال الأطفال من خلال كاميرات الويب والبث المباشر، أدى إلى ارتفاع حاد في عدد الصور المسيئة المنتشرة عبر الإنترنت منذ بداية جائحة كورونا، وأنّ معظم هذه الأمور تحدث في منازل الأطفال، أثناء وجود الأهل أو مقدمي الرعاية لهم في غرف أخرى. ونظراً لانتشار المحتوى غير القانوني، ومستوى القلق العام بشأن الأضرار عبر الإنترنت، في المملكة المتحدة وخارجها، تعهّدت البلاد في عام 2019، بأن تصبح أكثر الأماكن أماناً في العالم للاتصال بالإنترنت، إذ تقود الجهود الدولية من خلال وضع نهج متماسك ومتناسب وفعال يعكس التزامها بإنترنت مجاني ومفتوح وآمن. لكن، رغم ذلك، تقول مؤسسة مراقبة الإنترنت (IWF)، في تقريرها السنوي، إنّها تعاملت مع عدد متزايد من التقارير عن صور إساءة معاملة الأطفال عبر الإنترنت العام الماضي. وإنّ سبتمبر/ أيلول الماضي كان شهراً قياسياً مع 15 ألف تقرير، بزيادة خمسة آلاف تقرير عن الشهر نفسه من عام 2019. وحتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تلقت مؤسسة مراقبة الإنترنت 138 ألف تقرير، يحتوي على صور جنسية للأطفال، لعام 2020، مقارنة بـ 132.730 في عام 2019 بأكمله. ويفيد التقرير بأنّ 3 من كلّ 4 صور أو مقاطع فيديو خاصة بالإساءة إلى الأطفال عبر الإنترنت، تعود لفتيات تتراوح أعمارهن بين 11 و13 عاماً، فيما 13 في المائة من الصور أو مقاطع الفيديو، هي لفتيات يبلغن من العمر ما بين 7 أعوام و10.
ويروي تقرير المؤسسة قصص أطفال تعرّضوا للاستغلال الإلكتروني، بما في ذلك الطفلة الضحية بيكي، التي لم تتجاوز الحادية عشرة من العمر. يقول التقرير إنّ بيكي، ذات الشعر البني والعينين الخضراوين، كانت تصور نفسها أحياناً في غرفتها المزينة بالألوان والألعاب وأحياناً في حمام عائلتها. وكان واضحاً أنّها تتبع توجيهات شخص ما أو مجموعة من الأشخاص على الجانب الآخر من البث المباشر، إذ كانت تتوقف لبرهة، لقراءة التعليقات أو التعليمات قبل أن تعاود فعل ما يُطلب منها، وذلك خلال مراقبتها على الخط الساخن للمؤسسة. ومن الواضح بحسب التقرير، أنّ بيكي لم تكن وحدها في المنزل، بسبب الضجيج الذي كان يُسمع خارج الحمام وردّ فعلها السريع وتوترها. وفي ثلث التسجيلات، جرى تشجيع هذه الطفلة على أداء أفعال جنسية واستخدام أدوات من غرفة نومها وحمامها، لإنتاج مقاطع فيديو إباحية. على الرغم من ذلك، لم تعثر المؤسسة على أدلة على مكان بيكي، لكنّها تمكنت من إزالة المقاطع والصور التي تخصها عن الإنترنت.
تقول لينا جحا الاختصاصية النفسية المقيمة في لندن، لـ"العربي الجديد": "عادة نلاحظ مع غياب الاهتمام الفعلي للأهل، أن الطفل أكثر عرضة للوقوع فريسة كثير من المخاطر، خصوصاً التحرش الجنسي والاغتصاب". وتوضح أنّه من المهم ألا نلوم الأهل أو الطفل، لافتة إلى أهمية نوعية تواجد الأهل تحت سقف واحد، فالتواجد وحده لا يضمن حماية الطفل من الاستغلال، ولا يمنحه القدرة على تمييز التحرش أو البوح بأفعاله خوفاً من العقاب. وتؤكد أهمية نوعية التواجد التي تعني المتابعة ومعاملة الطفل بلطف، حيث يشعر برضا الأهل وحبهم غير المشروط. هذا النوع من العلاقة المتينة الواعية بين الأهل والطفل، يمنحه الاطمئنان والثقة بدعمهم الدائم، فيصبح قادراً على إخبارهم بأيّ مشكلة يمرّ بها من دون خوف. تضيف: "عندما يحظى الطفل بهذا الحب غير المشروط من الأهل، ويفهم أنّه لا يجوز كتمان أيّ أمر عنهم، يحصل على السلاح اللازم لمواجهة استغلاله والإساءة إليه من قبل غرباء، كونه قادرا على الإبلاغ عن الخطر. أمّا الطفل المنبوذ الذي يتعرض للاستهزاء أو الانتقاد أو اللوم، فهو أكثر عرضة لاستدراجه واستمالته إلى أيّ نوع من الاستغلال أو التحرش الجنسي. كذلك، ينبغي أن يعلم الطفل أنّه لا يجوز لمس جسده من قبل الغرباء وإظهار أعضائه الحميمة أمام الكاميرات". تتابع أنّ الكثير من الأطفال والمراهقين وحتى البالغين، يكتمون مسألة تعرضهم للاستغلال، لإحساسهم بالإحراج والذنب، ويحمّلون أنفسهم مسؤولية ما حدث، بينما يستغل الجاني هذه النقطة مع الضحية، حتى تصدّق أنّها ارتكبت أمراً شنيعاً.
في هذا السياق، يقول آندي بوروز، رئيس سياسة سلامة الأطفال عبر الإنترنت، من "الجمعية الوطنية لمنع القسوة ضد الأطفال" (NSPCC)، لـ"العربي الجديد" إنّ الجناة في المملكة المتحدة، يستمرون في الوصول إلى مئات الآلاف من صور الاعتداء على الأطفال. ويضيف أنّ ما يثير القلق، هو أنّ بعض شركات التكنولوجيا مثل "فيسبوك" تخطط لتشفير خدماتها، لافتاً إلى أنّ هذه الخطوة قد تضيع فرصة العثور على الصور المسيئة، وتحدّ من قدرتهم على منع استمالة الأطفال في المقام الأول. ويتابع أنّ حكومة المملكة المتحدة لديها الفرصة لقيادة الطريق في معالجة هذه المشكلة من خلال "مشروع قانون الأضرار على الإنترنت" الذي يحاسب الشركات التي تفشل في منع الاعتداء الجنسي على منصاتها جنائياً.
وبحسب البيانات الأخيرة سجّلت شرطة إنكلترا وويلز، أكثر من 14 ألف جريمة تواصل جنسي مع أطفال، بين إبريل/ نيسان 2017 ويونيو/ حزيران 2020. وجرى استخدام التطبيقات المملوكة لشركة "فيسبوك"، وهي "ماسنجر" و"إنستغرام" و"واتساب" في 54 في المائة من الحالات. ووفق المسح الذي أجرته "الجمعية الوطنية لمنع العنف ضد الأطفال" لأكثر من ألفي شاب، فإنّ واحداً من كلّ 25 شاباً أرسلوا أو تلقوا أو طُلب منهم إرسال محتوى جنسي إلى شخص بالغ. وارتفع إجمالي الجرائم الجنسية للأطفال عبر الإنترنت التي سجلتها الشرطة بنسبة 16 في المائة العام الماضي. ويشكل حجم المشكلة في المملكة المتحدة عبئاً كبيراً على إنفاذ القانون، مع نحو 700 عملية اعتقال كلّ شهر، على علاقة بالصور غير اللائقة للأطفال وجرائم الاستمالة، وتجري حماية 900 طفل كلّ شهر.