ُينهي طلّاب سنوات دراستهم الجامعية في بريطانيا وقد تراكمت عليهم ديون تزيد قيمتها عن 30 ألف جنيه إسترليني (نحو 34 ألف دولار)، بدل الرسوم الدراسية في الجامعة من دون الأخذ في الاعتبار كلفة الطعام والسكن والمواصلات وغيرها، الأمر الذي يدفع البعض إلى التساؤل حول أهمية هذه الشهادات الجامعية لدى الالتحاق بسوق العمل.
يقول بول (30 عاماً)، وهو ميكانيكي سيارات يعمل مع والده، لـ"العربي الجديد"، إنه قرّر عدم الالتحاق بالجامعة بعدما رأى العديد من حاملي الشهادات يعملون في مجالات لا علاقة لها بدراستهم الجامعية وبرواتب متدنيّة. كما أنّ البعض يعجز عن العثور على أي وظيفة، ليبدأ في تعلّم مهنة بعد ضياع ثلاث أو أربع سنوات من حياته، عدا عن الرسوم الجامعية الباهظة، ويختم حديثه مبتسماً: "أنهيت دراستي الثانوية وبدأت العمل مع أبي. أستمتع بمهنتي وأحصل على دخل جيد يتيح لي الادخار لشراء منزل وتأسيس عائلة. ولم أندم على قراري لأنّ البلد يحتاج إلى الأيدي العاملة فيما يغصّ بحاملي الشهادات الجامعية من العاطلين من العمل".
أمّا جوزيف (26 عاماً)، الذي أنهى دراسته الجامعية في الصحافة الرياضية من جامعة لندن للفنون عام 2018، فيقول: "لا تستحق الشهادة الجامعية الكلفة التي ندفعها أو السنوات التي نهدرها، ونعتقد أنّنا سنخرج إلى العالم مسلّحين بشهادتنا ونحظى بأفضل الوظائف"، يضيف أنّه بعد محاولاته اليائسة للحصول على وظيفة في مجال تخصّصه، يعمل اليوم مع والده الذي يملك محلاً لبيع السمك والبطاطس المقلية (وجبة شعبية في بريطانيا)، ويوضح أنه "يتخرّج مئات آلاف الطلاب سنوياً، وباتت المنافسة شديدة وفقدت الشهادة الجامعية قيمتها. بالإضافة إلى ما سبق، فإن حجم ديوني يقارب الـ30 ألف جنيه إسترليني بينما يزداد سعر الفائدة سنوياً".
بدوره، يقول كارلوس (26 عاماً)، الذي تخرّج عام 2017 بتخصص إدارة الأعمال من جامعة "وستمنستر": "في حال كانت الوظائف التي تسعى إليها تتطلب على وجه التحديد أن تكون حاصلاً على شهادة جامعية، فإن الأمر يستحق العناء. أمّا إذا انتهى بك المطاف في مهنة لا تتطلب شهادة جامعية، فمن الأفضل عدم إضاعة الوقت"، يتابع أنّه بعد تخرّجه عمل لسنوات في متاجر لبيع السيارات حيث لا قيمة لشهادته. أمّا اليوم، فقد توظف في شركة شل للنفط، وكانت شهادته جسر دخول إلى الوظيفة، ويرى أنه "يجب تثقيف التلاميذ في المرحلة الثانوية حول التخصصات التي يحتاجها سوق العمل، إذ يجهل معظم التلاميذ الأمر. وكنت أحد الأشخاص الذين اختاروا تخصصهم بشكل عشوائي. من المهم اختيار التخصص والجامعة بعناية".
أما أوليفيا (21 عاماً)، التي تخصصت في علم اللغويات وتخرجت من جامعة "كينغز كوليدج"، فتقول: "يعتمد الأمر على التخصص الجامعي وما يطلبه سوق العمل هذه الأيام. خلال فترة دراستي، أيقنت أنّ شهادتي علم الحاسوب وعلم البيانات مطلوبتان في سوق العمل، وقرّرت متابعة دراسة الماجستير في علم البيانات لضمان الحصول على عمل في مجال تخصصي"، تضيف: "بعد عام، سأكتشف إذا كانت دراستي الجامعية تستحق العناء والتكاليف التي تكبدتها".
وفي السياق، يقول فلاد (21 عاماً)، الذي ما زال يدرس علم الحاسوب في جامعة "كينغز كوليدج"، إنّه خلال العام الماضي حصل على عمل مع شركة أمازون بدوام كامل وراتب مغر، فأرجأ الالتحاق بالعام الجامعي الأخير لاكتساب خبرات عملية تفيده لدى تخرّجه. وبالفعل، يلفت إلى أنّ شركة أمازون عرضت عليه العودة إلى العمل براتب قدره حوالي ستين ألف جنيه إسترليني في العام، موضحاً أن "المبلغ يعد كبيراً بالنسبة لشاب تخرج حديثاً. الشهادة الجامعية مفيدة إذا كانت تراعي سوق العمل".
وفي وقت سابق، أعلن مكتب الطلاب أن شركة Multiverse التعليمية الناشئة المدعومة من غوغل (أسسها إيوان بلير، نجل رئيس الوزراء السابق توني بلير)، ستطلق أول تدريب مهني تتم الموافقة عليه لمنح شهاداته الخاصة مباشرةً، مع التركيز على التكنولوجيا وعلم البيانات. وسيكون التدريب مجانياً، أي من دون مراكمة أي ديون على الطلاب. وقال بلير إن "أولئك الملتحقين بالدورة التدريبية سيحصلون على رواتب. وعلى عكس الدرجة الأكاديمية التقليدية، فإن هذه الشهادة ستدلهم على ما يمكنهم القيام به". تأسست شركة Multiverse عام 2016 وتسعى إلى إنشاء بديل متميز للجامعات والتدريب في الشركات من خلال التعليم المهني.
إلى ذلك، تظهر الأبحاث أن 80 في المائة من الخريجين الجامعيين يحصلون على فائدة مالية من الشهادة الجامعية، ويحصل الذكر على دخل قدره حوالي 130 ألف جنيه إسترليني (نحو 148 ألف دولار) أكثر على مدى حياته بالمقارنة مع غير الحاصلين على شهادة، والأنثى على 100 ألف جنيه إسترليني (نحو 114 ألف دولار) بالمقارنة مع نظيراتها من غير الحاصلات على شهادات. مع ذلك، فوفقاً لتقرير صدر عام 2020 من معهد الدراسات المالية في بريطانيا فإنّ واحداً من كل خمسة خريجين كانوا سيحصلون على رواتب أقل في حال لم يلتحقوا بالجامعات.