رفضت الغزية بسمة أبو مصطفى، والتي درست الصيدلة، الاستسلام للبطالة. اليوم، باتت تعد مستحضرات للعناية بالبشرة من خلال مواد طبيعية
في منطقة المجايدة غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يمكن القول إنّ الخدمات العامة شبه معدومة. ويجد الأهالي صعوبة في الوصول إلى المستشفيات العامة وحتى الصيدليات. بل إن المقيم في المنطقة يحتاج إلى أكثر من نصف ساعة للوصول إلى أقرب صيدلية. إلا أن بسمة وائل أبو مصطفى (23 عاماً) استطاعت تأمين بعض الاحتياجات لمنطقتها، وباتت تصنع من المواد الطبيعية الكثير من الكريمات والوصفات الطبية.
تخرّجت بسمة قبل أكثر من عام بتخصص الصيدلة في الكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا في مدينة خان يونس، من دون أن تتمكن من الحصول على فرصة عمل. كان والدها يحلم بأن تدرس ابنته الصيدلة، هو الذي حرم من دراسة هذا التخصص في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية خلال فترة الانتفاضة الأولى بسبب رفض الاحتلال.
وجدت بسمة صعوبة في العام الدراسي الأول. شيئاً فشيئاً، أحبّت التخصص وبدأت تجري تجارب لصناعة كريمات وأشياء أخرى معتمدة على وصفات طبيعية. وفي عامها الدراسي الثاني، صنعت كريماً لعلاج حب الشباب. وبعد التخرج، تقدمت بطلبات عدة للحصول على وظيفة حكومية، بالإضافة إلى مؤسسات خيرية وخاصة، من دون أن تحصل على أي فرصة. ثم عملت متطوعة في إحدى الصيدليات في مدينة خان يونس، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً. بعد ذلك، شجعها والدها على التسجيل في دورات لصناعة الكريمات وغيرها من الوصفات العلاجية. فتعلمت كيفية صناعة بعض التركيبات الطبيعية والشامبو والبلسم والصابون والعطور الطبيعية والكريمات. وكانت والدتها أول من جرب منتجاتها.
في أحد الأيام، كانت والدتها تعد الطعام للأسرة، فوقع حادث وأصيبت بحروق في وجهها. حاولت بسمة وضع اللبن وبعض مراهم الحروق على بشرتها. بعدها، صنعت "كريم" خاصاً لعلاج الحروق وهو خلطة من الأعشاب والزيوت والعسل والفازلين. بالفعل، كانت تجربة مفرحة للأسرة. وتقول بسمة لـ "العربي الجديد": "بدأت تجارب لصناعة زيت القشرة وزيت الشعر السحري وشامبو وكريم الجمال وكريم لعلاج آثار الحروق وتفتيح البشرة، وأختبرها على نفسي وبعض أفراد أسرتي. وما يشجعهم هو أن المنتجات طبيعية".
اليوم، أصبحت منتجات بسمة معروفة في قطاع غزة، وقد صنعت شامبو وبلسماً وكريمات مرطبة وواقياً للشمس، وكريمات لعلاج الكلف والنمش وتفتيح البشرة وعلاج الحروق وحب الشباب وغير ذلك. كذلك، صنعت كريم الفلفل الحار لتنحيف البطن والأرداف والذراعين. وعادة ما تعتمد على الزنجبيل والفلفل والقرفة والزيوت والعسل. هذا المزيج يوضع على المنطقة المراد تنحيفها في الجسم، وهو مستخدم في الهند. كما صنعت قهوة خضراء ممزوجة بالأعشاب، وأطلقت عليها اسم قهوة الرشاقة الخضراء الحارقة للدهون، وهي غنية بحمض الكلوروجينيك المفيد للجسم، بالإضافة إلى أعشاب طبيعية خاصة للتنحيف، عدا عن كونها مفيدة للجسم. وتستعين بالإنترنت لزيادة معرفتها بالمواد التي يمكن استخدامها.
ووصلت منتجات بسمة إلى كل محافظات قطاع غزة، وهي تروج لمنتجاتها عبر حسابها على إنستغرام وفيسبوك، وقد كسبت ثقة كثيرين، وقد شجعها أفراد أسرتها المكونة من ثمانية أفراد، علماً أنها المعيلة الأساسية. في الوقت الحالي، تساعدها عائلتها في العمل.
والدها وائل أبو مصطفى (49 عاماً) توقّف عن العمل بعدما أصيب بجلطة دماغية، هو الذي كان يعمل مديراً لإحدى المؤسسات العاملة في مجال حقوق الطفل، وهو حاصل على درجة بكالوريوس في اللغة الإنكليزية من جامعة العلوم التطبيقية في الأردن، وماجستير في التخصص نفسه من جامعة عين شمس المصرية في إطار برنامج مشترك مع جامعة الأقصى في غزة.
ويقول والدها لـ "العربي الجديد": "كان حلمي أن أدرس الصيدلة. هذا التخصص يفيد الإنسان والأسرة والمجتمع حتى لو لم يتمكن الشخص من الحصول على وظيفة، وابنتي حققت حلمي. أساعدها بشكل يومي، حتى إنني اكتسبت منها الكثير من المعلومات وعرفت فوائد الأعشاب وغيرها. تلقينا طلبات من زبائن من الضفة الغربية ومصر وحتى تركيا. لكن للأسف، لا يمكننا التصدير إلى الخارج بسبب الحصار".
تطمح بسمة إلى إنشاء مصنع ومركز طبي صغير لزيادة إنتاجها والحصول على دعم من المؤسسات التي تمول مشاريع الأسر الصغيرة، وكذلك إحضار ماكينات تسهل عملية الإنتاج، باعتبار أن عملها يتطلب وقتاً طويلاً. وفي الوقت الحالي تعتمد على أدوات بسيطة فقط لإتمام العمل، وإن استغرقت عملية خلط المواد المستعملة أحياناً ساعات.