تجاوز عدد سكان العاصمة العراقية بغداد 9 ملايين، بحسب الإحصاءات الرسمية الأخيرة. ويتوقع أن يبلغ هذا العدد 13 مليوناً في نهاية عام 2025، ما قد يزيد أزمات الحياة اليومية، منها الزحام وارتفاع أسعار العقارات والمنازل، وتراجع خدمات البنى التحتية، وتهالكها أيضاً في ظل عدم تحديثها أو ترميمها.
يورد بيان أصدره الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية أن "9 ملايين شخص يعيشون ضمن مساحة 4555 كيلومتراً مربعاً في بغداد، بكثافة سكانية تبلغ 1977.2 فرد في الكيلومتر المربع. وتبلغ نسبة الذكور 4.569.768، والإناث 4.436.233". يضيف البيان الرسمي أن "تقديرات سكان المناطق الحضرية في بغداد ستكون بحدود 7.8799.500 نسمة فيما ستكون تقديرات سكان المناطق الريفية 1.126.501 نسمة، ونسبة الفئة العمرية بين 15 إلى 65 سنة 59.5 بالمائة".
ويتسبب الارتفاع في عدد سكان بغداد في ظهور المزيد من العشوائيات ومناطق جديدة لا سيما على أطرافها، فيما تزداد الأزمة مع استمرار هجرة العائلات والشباب من مدن وسط وجنوب العراق جرّاء هيمنة الفصائل المسلحة على مناطقهم وحرمانهم من فرص العمل، إضافة إلى اعتقادهم باًن المجيء إلى بغداد يُحسّن أوضاعهم الاجتماعية.
لكن المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، يرفض وصف ارتفاع معدلات السكان في بغداد بأنه "انفجار سكاني، بل زيادة طبيعية". ويقول لـ"العربي الجديد": "تضم بغداد أكبر عدد من سكان العراق، وبعدها الموصل والبصرة. والزيادة واضحة في معدلات سكان البلاد، ونتوقع وصول إجمالي سكان العراق إلى 80 مليون نسمة عام 2050، لكن هذه الزيادة لن تتسبب في مشاكل في حال جرى تدارك وحل الأزمات التي يواجهها الناس، وتوزيع الثروات في شكل عادل بينهم". يتابع: "تعاني بغداد من زحامات خانقة لأن طرقاتها الداخلية ضيقة جداً، في وقت تنتشر معظم الدوائر الحكومية المهمة في دائرة صغيرة، ما يفاقم الأزمة، وبالتالي يجب توسيع كل شيء في بغداد من الطرقات ومقار المؤسسات الرسمية والمباني المدرسية. وخلال السنوات الماضية تبنت أكثر من حكومة تنفيذ مشاريع توسيع، لكن أخطاءً حصلت نعمل لتجاوزها حالياً". ويلفت الهنداوي إلى أن "العاصمة تعاني من تراجع في خدمات البنى التحتية مقابل توسع المناطق والأحياء وصولاً إلى أطراف العاصمة التي قد يتغير شكلها وتتوسع أكثر في السنوات المقبلة جراء الزيادة السكانية، وننفذ حالياً خططاً عدة للنهوض بأوضاع الخدمات ومعالجة بعض التحديات".
ويعلّق المسؤول في دائرة أمانة بغداد، ياسر حالوب الموسوي، في حديثه لـ"العربي الجديد" على أسباب الزيادة الكبيرة في عدد سكان بغداد، بالقول إنها "غير مرتبطة بأهالي بغداد وتكاثرهم، بل بالهجرة من باقي المحافظات إليها، وبينها من إقليم كردستان، بسبب توفر فرص عمل كبيرة فيها، ووجود مشاكل أمنية واجتماعية وبيئية في مدن جنوب البلاد".
ويوضح أن "بغداد قريبة جداً من مفهوم الانفجار السكاني. وبسبب الزيادة الكبيرة، تسجل السلطات باستمرار عناوين أحياء ومناطق جديدة لم تكن موجودة حتى أوقات قريبة، خصوصاً في الأطراف. وباتت الأحياء السكنية تصل حتى محافظة واسط، ومنطقة أبو غريب مثلاً سكنية بامتياز بعدما كانت زراعية، علماً أنها محاذية لمحافظة الأنبار. وعموماً تتسبب الزيادة في تدهور أوضاع المياه الصالحة للاستخدام البشري، وتردي أوضاع المجاري لدى هطول الأمطار، وانتشار العشوائيات. ولا بدّ من أن تدرك الحكومة تداعيات هذه الزيادة، وتتولى تنظيم الأمور، ومن المهم أن تفكر جدياً في بناء مزيد من المجمعات السكنية".
بدوره، يتحدث الباحث العراقي عبد الله الركابي، لـ"العربي الجديد" عن أن "ما يميز الارتفاع في عدد السكان في بغداد أنه يضم نسبة كبيرة من الشبان الذين يستطيعون ممارسة كل الأعمال والمهن والحرف، وغالبيتهم من خريجي الكليات الذين لا بدّ من دفعهم نحو العمل في القطاعات الخاصة والحكومية، ما يعني أن تصحيح الخلل في الزيادة السكانية قد يحصل عبر الزيادة ذاتها شرط توفر الإرادة السياسية". يتابع أن "هناك حاجة إلى أكثر من مليون وحدة سكنية في بغداد، ونحو 6 ملايين وحدة سكنية في عموم مدن البلاد باستثناء محافظات إقليم كردستان. وعدم تدارك الزيادة السكانية سيفاقم مشاكل العراقيين ويتسبب في النهاية بانفجارات شعبية غاضبة، علماً أن أصحاب القرارات السياسية في العراق مشغولون بالصفقات وأساليب النيل من الخصوم، ومعظم الأحزاب لا تتنبه إلى هذه القضايا الاجتماعية رغم أنها مصيرية في تحديد شكل علاقة الشعب مع السلطة".
وخلال العامين الماضيين، توقعت تقارير حكومية ارتفاع إجمالي عدد سكان العراق إلى 50 مليوناً بحلول عام 2030، في ظل تقديرات بزيادة سنوية تتراوح بين 850 ألفاً ومليون نسمة، بنسبة نمو سنوية تبلغ 2.6 في المائة، مع احتمال أن يرتفع العدد إلى 80 مليوناً بحلول العام 2050. ويواجه العراق منذ عام 2003 عدة أزمات خانقة، أبرزها السكن والبطالة، في ظل تحذيرات من استمرار اعتماد الحكومات المتعاقبة على النفط كمورد رئيسي للبلاد، وبنسبة تتجاوز 96 في المائة من الواردات الوطنية السنوية.