تصح مقولة "ربّ ضارة نافعة" في وصف مساهمة التصاريح العنصرية التي يطلقها رئيس بلدية ولاية بولو، تانجو أوزجان، ودعواته المتكررة لطرد اللاجئين، في عودة الولاية إلى دائرة الضوء، إذ تضاعف عدد السياح في الولاية بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي شهدتها تركيا في مايو/ أيار من العام الماضي.
ولا يتردد كل من يزور الولاية في إطلاق عبارات المديح وقصائد الغزل بأرض بولو البكر التي توفر الجاذبية والجمال ومبررات الهروب إليها، من أجل الاستراحة من الضوضاء، والتمتع بسكون الطبيعة، وأيضاً ميزات الثلوج والتزلج لممارسي الرياضات الشتوية، علماً أنها سجلت أدنى درجة حرارة في تركيا هذا الشتاء، والتي بلغت 17.2 درجة تحت الصفر، ما حقق تطلعات محبي الجليد إلى تجمّد البحيرات، وتحوّلها إلى حلبات تزلج.
يتحدث الباحث التاريخي محمد غودنز لـ"العربي الجديد" عن أن "تسمية الولاية تعود على الأرجح إلى منتجع بولو أبانت التاريخي الذي يطل على البحيرة العجيبة. والاسم معروف منذ تاريخ سحيق، حين كانت الولاية جزءاً من مملكة بيثينيا البيزنطية، وكان اسمها قبل ذلك بوسا، بحسب ما تكشف كتب تاريخية".
ويقول عن تاريخ الولاية التي تطل على البحر الأسود، وتبعد نحو 260 كيلومتراً من إسطنبول، وتشتهر بخضرتها وكثرة مياهها من بحر وبحيرات وينابيع حارّة: "تفيد المعلومات الموثّقة والمكتوبة بأن منطقة بيثينيا استقلت عن الفرس بعد هزيمتهم أمام الإسكندر الأكبر عام 373 قبل الميلاد، وأصبحت من بين الممالك المستقلة، حتى ضمها ملك البنطس، ميثراداتس السادس، إلى مملكته بمساعدة الرومان. بعدها انتقلت إلى البيزنطيين قبل دمج الجزء الأكبر منها مع الإمبراطورية العثمانية عام 1461 ميلادياً، ثم أكمل السلاجقة الأتراك السيطرة عليها بعد معركة ملاذكرد عام 1701 ميلادياً.
وفي عام 1864 ميلادياً أصبحت بولو تقسيماً إدارياً مستقلاً عن الإمبراطورية العثمانية، رغم أنها جغرافياً جزء من ولاية قسطموني.
ويكشف غودنز أن "أشخاصاً قليلين يعلمون أن بولو كانت عاصمة الإمبراطورية العثمانية لفترة وجيزة، قبل نقلها إلى أدرنة، وأيضاً أن أول عاصمة كانت سووت قبل بورصة. ولولاية بولو خصوصيات تتجلى في قلة الكثافة السكانية التي لا تزيد عن 25 شخصاً في الكيلومتر المربع الواحد، ما يعني أنها هادئة، وأيضاً باحتضانها معالم تاريخية ومساحات خضراء وبحيرات وينابيع مياه حارّة. وتشكل الولاية أيضاً محمية طبيعية لكثير من أنواع الطيور والثدييّات والزواحف".
وفي حين تشتهر بولو بحدائقها الوطنية الكبيرة، وبينها أبانت وغولجوك ويدي غوللر، تعرف في تركيا بأنها أرض البحيرات.
وكان رئيس بلدية بولو السابق، علاء الدين يلماظ، تحدث عن أن الولاية تحتوي على نحو 200 بحيرة وبركة، وبعضها مهمة جداً لكن كثيرين لا يعرفونها. وعلى غرار بحيرة أبانت هناك بحيرة سيبين الضخمة جداً التي يفوق حجمها نحو 7 مرات بحيرة أبانت، وأيضاً بحيرة يني جاغ التي تشبه حجم أبانت. واللافت أن بحيرات ياديجولار (البحيرات السبع) تقع على ارتفاعات مختلفة، ويتراوح المنسوب المائي فيها بين 50 و60 متراً، فتتدفق المياه من كل البحيرات على شكل شلالات، وتشكل مشهداً بديعاً يزيد الجمال والجذب. أما المساحات الخضراء فتغطي نحو 65 في المائة من المساحة الكلية لبولو التي تنفرد بأنها الولاية الوحيدة التي تتضمن مسارات مشي بطول 2300 كيلومتر في تركيا".
تغطي المساحات الخضراء نحو 65 في المائة من المساحة الكلية لولاية بولو
وتتصدر بحيرة أبانت، من دون منازع، قائمة الجغرافيا المكتظة بالجمال الطبيعي والمعالم التاريخية، لأن كثيرين يصنّفونها بأنها من أجمل البحيرات الطبيعية في العالم، بسبب ارتفاعها 1328 متراً عن سطح البحر، وتبلغ مساحتها 128 كيلومتراً وعمقها 18 متراً، وهي محاطة بأشجار صنوبر وسنديان وصفصاف ما يزيد سحرها الذي يكتمل بتجمّدها في فصل الشتاء، ويتعاظم بحسن إفادة الأتراك من الجمال الطبيعي، عبر توفير خدمات ووسائل ترفيه عدة من قوارب ودراجات وعربات خيل، من أجل التجوّل حولها، وصولاً إلى موقع الشلالات الطبيعية".
أيضاً تصنّف حديقة البحيرات السبع محمية طبيعية كبيرة، تتضمن العديد من أنواع الأشجار والنباتات والطيور النادرة، وتعتبر من المعالم الحديثة للولاية بعدما تأسست عام 1965 كإحدى أكبر حدائق تركيا. ويصل الزوار إلى البحيرات السبع عبر جسور، وهي تتضمن كل متطلبات السياح وهواة التخييم أو مستأجري الأكواخ للمكوث فترات طويلة وممارسة الصيد أو التزلج في الشتاء.
وتضيف كثرة الحيوانات النادرة من غزلان حمر وسناجب وقطط جبلية ودب بني وخنازير برية وثعالب وذئاب وأرانب، ونحو 500 نوع من الطيور، جمالاً وخصوصية إلى حديقة البحيرات السبع.
توفر بولو مبررات الهروب إليها للاستراحة من الضوضاء والتمتع بسكون الطبيعة
وبسبب تباين منسوب البحيرات تتشكل منحدرات، أهمها أكايا ترافرتين، والمنحدرات البيضاء في ولاية مغلا، وأيضاً شلالات عدة أهمها ساماندرا القريب من هضبة أورميسي بولو الشهيرة بمنازلها الخشبية وشوارعها المرصوفة بالحجارة، وهضبة سينكلي المخصصة للتخييم والتي تحتضن مهرجاناً سنوياً باسم الهضبة في شهر يوليو/ تموز.
وتشتهر بولو بمياهها الحارّة التي يقصدها المرضى والسياح وبمغارات مثل فاكيلى وسارى كايا وأكسو، وهي تنتج الكثير من المحاصيل الزراعية، لأنها مناسبة للزراعة، بسبب تمتعها بمناخ مناسب للزراعة، وأهم ما تُنتجه أراضيها هو البندق الذي يدخل في صناعات كثيرة.
ولا بدّ من تفريق بولو عن مدينة صفران بولو الغنية بآثارها المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي وتتبع ولاية كارابوك.
وتعرف ولاية بولو أيضاً بأنها موطن الطهاة منذ سنوات في تركيا. وشيّد في منطقة مينغين تمثال كبير من حديد لطاه، ووعاء طهي كبير جداً، كرمز لتصدير الولاية أشهر الطهاة، ليس إلى تركيا فحسب، بل إلى كل العالم. ويتحدر طهاة القصر العثماني والرئاسي من مينغين التي تنظم مهرجاناً سنوياً للطهاة.
إلى ذلك تكتظ بولو بالمعالم التاريخية والمعابد الإسلامية. ويحتوي متحف بولو الذي تأسس عام 1975 على مقتنيات تعود إلى العصر الحجري الحديث والبرونزي والعصور الهلنستية والرومانية والبيزنطية والعثمانية والسلجوقية.
ويضم المتحف أيضاً معادن من العصر الروماني البيزنطي، وقطعاً زجاجية نادرة عمرها آلاف السنوات. ويحتوي قسم القطع النقدية على العديد من العملات النقدية النادرة التي تعود إلى عصور مختلفة، مثل الروماني والبيزنطي، وأيضاً العصر العثماني والأموي.
ويعرض قسم في المتحف أسلحة وأواني فخارية ومعدنية نادرة تعود إلى العصرين العثماني والسلجوقي، وأيضاً مجوهرات وحُلياً نادرة تعود إلى العصر العثماني، إضافة إلى مخطوطات وقطع زجاجيات جميلة.
إلى ذلك تحتوي حديقة المتحف على العديد من الآثار، مثل أعمدة رخامية وحجرية، وتوابيت تعود جميعها إلى عصور غابرة، إضافة إلى معروضات كثيرة تعود إلى العصور الرومانية والبيزنطية والعثمانية مثل أنقاض المباني القديمة.