عبّر أولياء طلاب تونسيين عائدين من أوكرانيا عن قلقهم من غموض المسار الدراسي لأبنائهم بسبب تأخر الإعلان عن حلول لاستيعابهم في جامعات البلاد، واستمرار الصمت الرسمي حيال أوضاعهم، علماً أن نحو 1200 طالب كانوا يتابعون تحصيلهم العلمي في أوكرانيا قبل الغزو الروسي في 24 فبراير/ شباط الماضي، وكان عشرات منهم على مشارف إنهاء دراستهم.
وفي تظاهرة نفّذوها أمام وزارة التعليم العالي، طالب أولياء أمور هؤلاء الطلاب بدمج أبنائهم في الجامعات التونسية في أقرب وقت، باعتباره الحلّ الأكثر مثالية لمنع ضياع جهود من سنوات الدراسة في الجامعات الأوكرانية، قبل أن تجبرهم الحرب الروسية على المغادرة عبر رحلات الإجلاء.
يقول محمد الهرابي، وهو والد طالبة عادت من أوكرانيا، لـ"العربي الجديد": "كان عشرات من الطلاب قاب قوسين من إتمام مسارهم الجامعي، لكن ظروف الحرب حالت دون ذلك، وأجبرتهم على العودة من دون أن يحصل قسم كبير منهم على الوثائق اللازمة من الجامعات التي غادروها". ويطالب الهرابي بضرورة إيجاد حلول سريعة لوضع الطلاب العائدين عبر دمجهم في الجامعات التونسية من أجل إنقاذ دراستهم، ويشير إلى أن تواصل الحرب في أوكرانيا يمنع عودة الطلاب التونسيين إلى هذا البلد. وهو يؤكد أن "السلطات التونسية نجحت في التحرك سريعاً لإجلاء الطلاب من منطقة الحرب منذ بداية العملية الروسية، لكن تدابيرها كانت بطيئة في معالجة ملفات دراستهم، مشدداً على ضرورة مراعاة عامل الوقت في هذا الملف الحساس، والذي يؤثر تأخر حله في الوضع النفسي للطلاب ممن لا يخفى أنّهم باتوا يشككون في جدية سلطة بلادهم في إيجاد حلول لأوضاعهم، بينما قرر آخرون البحث عن حلول فردية تتمثل في محاولة الالتحاق بجامعات أجنبية جديدة، أو بجامعات خاصة في تونس".
ومعلوم أنّ غالبية الطلاب المنتسبين إلى الجامعات الأوكرانية كانوا يتابعون تحصيلهم العلمي في اختصاصات الطب والصيدلة والعلوم المالية، واختاروا وجهتهم بسبب عدم قدرتهم على دخول كلياتها في بلدهم، كونها تتطلب الحصول على معدلات عالية في امتحان البكالوريا.
ويذكر الطالب العائد من أوكرانيا، جاد بن سالمة، لـ"العربي الجديد" أنّ خيار الالتحاق بجامعة أوروبية لا يزال قائماً بالنسبة له، مشيراً إلى أنّ هذه الجامعات "أكثر انفتاحاً حالياً على قبول الطلاب الفارين من الحرب الروسية على أوكرانيا، علماً أنّ طلاباً كُثراً يفضلون البحث عن حلول فردية بدلاً من انتظار أي حلول ستوفرها وزارة التعليم العالي التونسية والتي يعلم الجميع أنها قد تتأخر".
لكنّ خيار الانتساب إلى الجامعات الأوروبية والبحث عن الحلول الفردية ليس متاحاً لمجموعة طلاب خرجوا من أوكرانيا بلا وثائق خاصة بتحصيلهم العلمي، وهذه حال لينا الزمري التي تخبر "العربي الجديد" أن التواصل مع إدارات الكليات للحصول على الوثائق بات أمراً صعباً. وتوضح أن زملاء لها من جنسيات عربية استأنفوا الدراسة في بلدانهم في الاختصاصات ذاتها، بعدما سمحت دولهم بأن ينضموا إلى الجامعات المحلية، أما الطلاب التونسيون فما زالوا يبحثون عن حلول.
وفي السنوات الأخيرة، تحوّلت أوكرانيا إلى إحدى الوجهات الدراسية المهمة للطلاب التونسيين بعد جامعات الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعدما سمحت وزارة التعليم العالي في تونس بمعادلة الشهادات بين البلدين، لكن غياب التمثيل الدبلوماسي التونسي في أوكرانيا يجعل المقيمين من الطلاب وغيرهم يواجهون صعوبات إدارية زادت حدتها مع الغزو الروسي، علماً أن الطلاب التونسيين قصدوا جامعات في مدن كييف وأوديسا وخاركيف ودنيبرو التي تعتبر بين أكثر المدن استهدافاً بالحملة العسكرية الروسية.
وكان وزير الخارجية التونسي عثمان الجارندي أكد سابقاً أنّ "الطلاب العائدين ستتوفر لهم كلّ حلول مواصلة دراستهم، سواء إذا انتهت الحرب في أوكرانيا وعادوا إلى الدراسة في هذا البلد بشكل طبيعي، أو استمر وضع الحرب". ووعد بمناقشة كلّ السيناريوهات مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، "فالجميع يلتزم إيجاد الحلول اللازمة للطلاب التونسيين".
أما وزير التعليم العالي والبحث العلمي التونسي، منصف بوكثير، فأوضح أنّ الوزارة استحدثت لجنة خاصة لدرس الحلول منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا وعودة الطلاب التونسيين إلى الوطن، وهي تتواصل يومياً مع وزارة الخارجية لبحث إمكان مواصلة الطلاب التونسيين دراستهم في تونس التي تطبق جامعاتها برامج دراسية مشابهة. ولفت بوكثير إلى أنّه اتصل بوزير التعليم العالي في رومانيا الذي ذكر له أنّه "لا إشكالات في شأن مواصلة الطلاب التونسيين دراستهم في رومانيا".
لكن وزارة التعليم والبحث العلمي في تونس لم تكشف ما إذا كانت ستسمح للطلاب العائدين من أوكرانيا بالانضمام إلى جامعات البلاد، واستكمال مسارهم الجامعي في الداخل، خصوصاً أنّ الدولة التونسية تعترف بالشهادات الجامعية الأوكرانية، ولا تطرح إشكالات حول التكافؤ في المناهج التعليمية.