مجدّداً، يشكو مواطنون ليبيّون عودة أزمة المياه، في الوقت الذي يطالب خبراء بضرورة إيجاد حلول لهذه المشكلة، من خلال صيانة وتوسيع شبكة النهر الصناعي العظيم الذي يزود غالبية مناطق الشمال بمياه الشرب. وتعاني بلديات طبرق والمرج وبنغازي (شرق)، وغالبية مناطق الشمال الغربي، أزمة مياه خانقة، وقد باتت محطات تحلية مياه البحر متهالكة، كما يقول المسؤول في الشركة العامة للمياه والصرف الصحي عثمان العبيدي. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن غالبية أحياء طبرق لا تزود بالمياه من المحطة التي تجاوز عمرها 30 عاماً، مشيراً إلى أن إهمالها من قبل الحكومات لسنوات طويلة جداً جعلها غير قابلة للصيانة. ويضطر أهالي المدينة إلى قطع أميال للتزود بالمياه من المناطق المحيطة ونقلها في غالونات كبيرة، أو استئجار سيارات لنقلها، بحسب المواطن عبد الكريم المنفي، الذي يشكو ارتفاع بدل استئجار السيارات وسط شح السيولة النقدية وغلاء الأسعار الفاحش. ويقول: "كون تضاريس المنطقة جبلية، فإن كل محاولات حفر الآبار على مقربة من المنازل باءت بالفشل".
في هذا الإطار، يؤكد العبيدي أنّه ليس أمام المدينة سوى بناء محطة جديدة للتحلية، علماً أن قدرتها الحالية لا تتجاوز 20 ألف متر مكعب، بينما يحتاج أهل المدينة لأكثر من ستين ألف متر مكعب من المياه. حجم الأزمة دفع بلدية المرج، شرق البلاد، إلى إرسال ممثلين عنها للقاء وزير الموارد المائية في الحكومة الجديدة لبحث أزمة المياه التي تعاني منها المدينة.
وبحسب بيان حكومي، طلب الوفد من الحكومة توفير القطع اللازمة لصيانة محطة التحلية المحاذية للمدينة، وتوفير المواد التشغيلية الضرورية واللازمة لعمليات التشغيل بالمحطة. ورغم وعود الحكومة، يلفت العبيدي إلى أن المحطات أصبحت خارج الخدمة.
وعلى امتداد الساحل الليبي، تتوزع 22 محطة تحلية للمياه، تعمل أربع منها فقط. ويعزو العبيدي الأمر إلى نقص تمويل الشركة والعجز عن متابعة مطالبها، موضحاً أنه منذ بدء تدفق مياه النهر الصناعي عام 1993، تعرّضت الشركة للإهمال ظناً أن النهر سيوفر كميات المياه الكافية للشرب. كما يتحدث عن تأثير الحرب على خطوط الإمداد والآبار وسط الصحراء. ويذكر أن أنابيب خطوط الإمداد باتت تحتاج إلى استبدال بعد نحو ثلاثين عاماً من دون صيانة، وكذلك المضخات والآبار، مضيفاً أن شبكات إمداد المياه داخل المدن والمناطق غير كافية، ولم يستكمل بناؤها في مراحل لاحقة من مشروع النهر الصناعي الكبير، ما جعل تزويد المياه في بعض الأحياء داخل المدن والمناطق محدوداً.
من جهته، يذكر مدير إدارة المشاريع في وزارة الموارد المائية في حكومة الوفاق الوطني السابقة، محيي الدين الذويبي، أن البنية التحتية للمياه في ليبيا معطلة تماماً، علماً أنه كان يتوفر في البلاد عدد من السدود في مصبات الوديان وعشرات محطات معالجة المياه والتحلية، لكن لم يبق غير منظومة النهر الصناعي. ويفترض أن تضخ سبعة ملايين متر مكعب من المياه يومياً، لكن يضخ اليوم أقل من النصف. ويوضح الذويبي أن "البلاد مقبلة على أزمة مياه خانقة".
ويقول خبراء إن ليبيا تصنف من بين 12 دولة عربية و26 دولة أجنبية تجاوزت خط الفقر المائي الحاد، وهو ما يوافق عليه الذويبي، مؤكداً أن السحب الحالي من الاحتياط المائي يقدر بــ 80 في المائة، معتبراً أن تجاوز الأزمة يكون بخفضه إلى النصف. ويقول إن "المواطن غالباً ما يضطر إلى حفر الآبار قرب المنزل لتأمين حاجته من مياه الشرب، وذلك من دون الحصول على ترخيص في معظم الأحيان". إلا أن عماد الجندي، الذي يعيش في حي بئر الأسطى ميلاد في طرابلس، فلا يبدو مهتماً بتصريحات المسؤولين، ولم يتمكن حتى من حفر بئر منزلية بسبب ملوحة المياه الجوفية. ويضطر، حال معظم سكان الحي، للاعتماد على ملء الصهاريج المنزلية من خلال شراء المياه، إلا أنه يخشى عدم نقائها. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "الغياب الرسمي وعجز السلطات عن مواجهة أزمة العطش لا ينحصر بعدم صيانة محطات التحلية، إذ ليس هناك أية رقابة على أصحاب صهاريج المياه". ويذكر الجندي أنه اضطر للتعامل مع أحد أصحاب الصهاريج لشراء المياه دون غيره، بعد تحليله عينة من مياه في حوزة آخرين تبين أنها ملوثة، إذ تستخرج من آبار تسربت إليها مياه الصرف الصحي.