قبل أشهر قليلة، دفع قلق أمٍّ صينية من مظهر مولودها إلى محاولة إجراء عملية تجميل يدوية لأنفه، لكنها باءت بالفشل، وأتلفت الغشاء المخاطي للرضيع. وعلّقت الأم تسي وين، التي تقيم في مدينة داليان (شرق) بالقول: "حاولت أن أمنح طفلي أنفاً مستقيماً عبر قرصه مرات، ما تسبب له في مشكلات تنفس".
أعادت هذه الحادثة إلى الواجهة معتقدات شعبية قديمة ما زال يعتنقها كثير من الصينيين، وتشمل شك خدي الطفل بعيدان طعام لمحاولة إنشاء غمازات تعتبر إحدى علامات على الجاذبية في الثقافة المحلية، علماً أن كثيرين يعتقدون بأن جماجم الأطفال الرضع تحتوي على ثغرات طرية باعتبار أن العظام لم تلتحم معاً بالكامل بعد، وبالتالي فإن تدخلات يدوية عدة يمكن أن تغير شكل رؤوسهم.
وتنتشر هذه المعتقدات في وقت يعاني الصينيون من الظروف المعيشية الصعبة، ولا يستطيع معظم الشباب الذين يرغبون في تغيير مظهرهم تحمّل نفقات عمليات التجميل الجراحية، لذا يلجأ بعضهم إلى الطرق الشعبية علها تساعدهم.
وقبل أن تصبح الصين ثاني أكبر سوق لجراحة التجميل في العالم، شاعت فيها معتقدات خاصة بتشكيل أجساد الناس عن طريق استخدام طرق تقليدية بسيطة. وما زالت عيادات قائمة تطبقها، زاعمة أنها قادرة على إعادة تشكيل الوجه والجسم، وتَعد الزبائن بمنحهم أنوفاً أعلى، وشفاهاً بارزة، وأجساماً أنحف.
وكشف استطلاع حديث أجراه مركز الصحة النفسية في بكين، وشمل 2200 طالب في ثلاث جامعات بالعاصمة، أن 69 في المائة ممن استطلعت آراؤهم منتصف العام الحالي، أبدوا عدم رضاهم تماماً عن مظهرهم، وأن 32 في المائة منهم أكدوا استعدادهم لإجراء عمليات تجميل.
يقول ليو يانغ، الطالب في جامعة صن يات سن، لـ"العربي الجديد": "الأنف المفلطح قاسم مشترك بين سكان شرقي آسيا على اختلاف جنسياتهم، وكذلك العيون المسحوبة، خصوصاً في الصين وكوريا واليابان، لذا لن يتردد أحدنا في إجراء عملية تجميل لتحسين مظهره".
يضيف: "في الصين لدينا وسائل أخرى لا تعتمد على الجراحة، ولكن يفضل استخدامها في سن مبكرة حين تكون أعضاء الإنسان مرنة ولينة وقابلة للتشكيل، لذا يتدارك الأهل ذلك باستخدام بعض هذه الوسائل مع أبنائهم بأمل الحصول على مظاهر حسنة، والشبان لا يملكون إجراء عمليات تجميل جراحية كونها تعتبر مكلفة، أما من يملكون المال فيفعلون ذلك حتى لو اضطروا للسفر إلى الخارج. وهكذا يجد الباقون ضالتهم في الوسائل الشعبية التقليدية، لكن هذه العمليات محددة، وتأثيرها ليس آنياً خصوصاً لمن تقدم بهم العمر".
ويقول الجراح المتخصص في مركز تشاويانغ الطبي بالعاصمة بكين، لو فونغ، لـ"العربي الجديد": "ما يسمى الجراحة التجميلية اليدوية ممارسة شعبية في الصين نشأت منذ عهد أسرة تانغ التي حكمت البلاد في الفترة الممتدة بين عامي 618 و960، حين كان لدى الإمبراطورة وو تسه تيان، طبيب خاص مسؤول عن تطوير عقاقير وعلاجات للحفاظ على مظهرها، وإجراء جراحات تجميل يدوية، مثل جراحة كي الجفن التي تعتبر الشكل الأكثر شيوعاً لهذا النوع من العمليات، وتعتمد على كي الجفن من أعلى وأسفل باستخدام أدوات بدائية حادة لتكوين نتوءات وتجاعيد دقيقة تجعل العين تبدو أكبر. وهذه العملية تجرى اليوم بشق الجفن وإعادة غرزه مما يساعد على اتساع العين".
يضيف: "هناك أيضاً غسل الوجه بالنبيذ المعتق لإزالة خلايا الجلد الميتة والبكتيريا وتفتيح البشرة، فالبشرة الفاتحة والنقية كانت معياراً للجمال في الصين منذ آلاف السنين. مكونات النبيذ تجعل الأوعية الدموية تنقبض، ما يعطي الوجه مظهراً شاحباً محبباً، وإن كان ذلك لا يدوم لفترة طويلة".
ويكشف لو فونغ، أنه "بين الوسائل التقليدية رسم الابتسامة على الوجه باستخدام عيدان تناول الطعام، وذلك من خلال تمرير العود في الفك والعض عليه لفترة طويلة باستخدام الأسنان الأمامية، إذ كان يعتقد بأن تكرار ذلك يومياً يتسبب في إجهاد عضلات الشفة السفلى فتتدلى ما يساهم في تشكيل ابتسامة دائمة".
ويشير إلى أنه "بين الأفكار الأساسية التي تضمنها الطب الصيني الشعبي تجسيد مقولة تناول كل ما ينقصك، لذا كان يأكل الناس كبد الحيوانات لتحسين وظائف الكبد، أو دماغ الحيوان لتحسين الإدراك. كما شاع في عدد من القرى الصينية غسل الشعر بالسمسم الأسود لاكتساب لون داكن وملمس ناعم. أما أقسى وأصعب الممارسات الشعبية في إطار تحسين المظهر في الصين، فهو ما شاع خلال الحقبة الإمبراطورية من حبس قدم الفتيات في حذاء ضيّق يشبه حذوة الحصان، للحصول على ما يعرف بـ(أقدام اللوتس) التي تمنح صاحبتها مشية أنيقة ومميزة فيها من الغنج ما يثير الإعجاب".