حذّرت نقابتان تعليميتان في المغرب، اليوم الأربعاء، من تمرير التطبيع عبر المناهج التعليمية، من خلال الترويج لقيم التسامح والتعايش، في محاولة للتأثير مستقبلاً على الوعي الجمعي لأبناء المغاربة. ويأتي تحذير كلّ من النقابة الوطنية للتعليم والجامعة الوطنية للتعليم-التوجّه الديمقراطي على خلفية عقد فعاليات مؤتمر خاص بالتعليم والتعايش في العاصمة المغربية الرباط، بمشاركة دول عربية وإسرائيل "بهدف إظهار فوائد التطبيع لمواطني المنطقة".
والمؤتمر الذي نُظّم بشراكة بين المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة غير حكومية مقرّها الرئيسي الولايات المتحدة الأميركية وتُعنى بالبحث في الشؤون الدولية، ومؤسسة "جيفري إم. تالبنز" الأميركية الخيرية، امتدّت فعالياته من الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الجاري حتى السابع (الأربعاء) منه، وشارك فيه السودان والأردن والبحرين والإمارات والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. أمّا هدف المؤتمر، بحسب منظّميه، فهو الخروج بتوصيات سياسية قابلة للتنفيذ لحكومات المنطقة، من شأنها زيادة التعاون وتعزيز التسامح في التعليم.
وقد عبّرت النقابتان المغربيتان، في بيان مشترك، عن إدانتهما لكلّ أشكال التطبيع، وفي مقدّمتها التطبيع التربوي عبر التعليم والمناهج التعليمية، نظراً إلى خطورته الشديدة على وعي الطلاب وأبناء الشعب المغربي. ولفتتا إلى أنّه على الرغم من الرفض الشعبي المطلق للتطبيع مع الكيان الصهيوني الاستعماري العنصري، يأبى المغرب إلا أن يمعن في الارتماء في أحضان الصهيونية فيحتضن فعاليات المؤتمر الخاص بالتعليم والتعايش بالرباط بمشاركة الكيان الصهيوني.
وشدّدت النقابتان على أنّ عملية التطبيع في المناهج الدراسية هي جزء من مظاهر عديدة لمحاولة التطبيع تحت مبرّر نشر ثقافة التسامح والتعايش، فيما تكرّس المناهج التعليمية الصهيونية الكراهية المطلقة للعرب.
ورأت النقابتان أنّ المؤتمر يروم إلى إظهار فوائد التطبيع لمواطني المنطقة، والخروج بتوصيات سياسية قابلة للتنفيذ لحكوماتها، من شأنها زيادة التعاون وتعزيزه مع الكيان الصهيوني المجرم. وتسعى الأنظمة المطبّعة إلى تبرير ذلك بأهمية المكانة الاقتصادية وكذلك السياسية لهذا الكيان.
وأكّدت النقابتان رفضهما القاطع لأيّ محاولة تستهدف تغيير ثوابت القضية الفلسطينية، أو الاعتراف بالاحتلال والتطبيع معه، وقد وصفتا التطبيع بأنّه تسهيل لسيطرة الكيان الصهيوني مستقبلاً على ثروات المنطقة وشعوبها، وسعي إلى إتمام مشروعه الاستعماري التوسعي وما يتلو ذلك من مخاطر على الأجيال القادمة.
من جهته، قال الكاتب العام لـ"المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" عزیز هناوي لـ"العربي الجديد" إنّ "التطبيع التربوي يدلّ على أنّ الأمر تجاوز التطبيع الكلاسيكي والسياسي إلى الصهينة الشاملة"، مضيفاً: "نحن إزاء ما يسمّى بتوحيد الهياكل التربوية، وهو المسار الذي بدأ قبل عامَين عن طريق نوادي التسامح في المؤسسات التعليمية الأساسية والثانوية التي أنشأها الوزير السابق سعيد أمزازي بالشراكة مع جمعية بيت الذاكرة التي يرأسها المستشار الملكي أندري أزولاي، والتي تهدف إلى ربط المنظومة التربوية بالكيان الصهيوني. كذلك فإنّنا إزاء ربط الجامعات المغربية بالمنظومة الصهيونية، بدعوى أنّ الجامعات الإسرائيلية تحرز قصب السبق دولياً في مجال البحث العلمي".
ورأى هناوي أنّ "ربط التعليم الجامعي المغربي بنظيره في الكيان الصهيوني، ومخططات الصهينة بغسل أدمغة تلاميذ المدارس العمومية، ومن ثمّ جعل المغاربة رهائن المنظومة الصهيونية، أمور خطرة يتعيّن تكثيف الجهود لمقاومتها ووقفها".
وفي هذا الإطار، حثّت النقابتان التعليميتان المغربيتان على مواجهة ما سمّته الاختراق التطبيعي وحماية الأجيال الناشئة، وعبرها حماية المجتمع، من خلال نشر ثقافة الوعي المضاد وفضح كلّ الخطوات التطبيعية وإبراز الطابع الاستعماري وكذلك العنصري للكيان الصهيوني في تعامله مع تلاميذ فلسطين وأطفالها، والتعريف ببرامجها التعليمية المعادية للعرب والمسلمين قصد تفنيد ادّعاء نشر ثقافة التسامح والتعايش.
وتعود مبادرات التطبيع التعليمي بين إسرائيل والمغرب إلى فبراير/ شباط من عام 2021، إذ اتّفق وزيرا التعليم المغربي والإسرائيلي على إطلاق برنامج لتبادل الوفود الطالبية بين الدولتَين، وإجراء مسابقات تعليمية باللغتَين العربية والعبرَية فيهما، الأمر الذي لاقى في حينه معارضة شديدة من قبل الجمعيات والمنظمات المغربية المناهضة للتطبيع.
كذلك وقّع وزير التعليم العالي المغربي ونظيرته الإسرائيلية في مايو/ أيار 2022، اتفاقية التعاون الأولى بين جامعات ومراكز أبحاث الدولتَين، وهو الأوّل من نوعه في مجال التعليم الجامعي، منذ استئناف العلاقات في 24 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2020. وكان المغرب وإسرائيل قد أعلنا في العاشر من الشهر نفسه استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد توقّفها في عام 2000 إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ومنذ توقيع اتفاق التطبيع ما بين المغرب وإسرائيل برعاية أميركية في أواخر عام 2020، تسير العلاقات بين البلدَين في منحى تصاعدي، وقد تُوّج بزيارات وزراء إسرائيليين إلى المغرب وتوقيع اتفاقيات تعاون عدّة.