استمع إلى الملخص
- **انتقادات ومخاوف من عسكرة التعليم**: يرى بعض المراقبين أن الهدف هو اختيار معلمين موالين للسيسي، مما يثير مخاوف من عسكرة التعليم، ويعتبرون التدريب العسكري غير مناسب للدور التربوي.
- **آراء مؤيدة للتعاون مع الأكاديمية العسكرية**: بعض الأكاديميين يرون أن التعاون يمكن أن يعزز قدرات المعلمين العلمية والتكنولوجية، مما يصب في صالح المنظومة التعليمية.
لقطة رآها متابعون كاشفة، تلك التي بدا فيها مدير الأكاديمية العسكرية المصرية الفريق أشرف سالم زاهر، ينظر بتعال إلى وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، الذي كانت نظرة عينيه باتجاه الطاولة الفاصلة بينهما، فيما ينظر، ثالثهما، الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الكاميرا.
لم تكن عناصر اللقطة الموحية وحدها هي التي لفتت الأنظار، بل أضاف سببها مزيداً من الأسئلة حول مستقبل التعليم، والذي سيتم تطوير أهم عناصره، وهو المعلم، على أيدي عسكريين، وما الذي يمكن أن تضيفه الأكاديمية العسكرية للمعلم من مهارات وقدرات لم يحصل عليها طوال دراساته التربوية والتعليمية؟
الصورة التي نشرها المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية، جاءت في سياق بيان يقول إن السيسي اجتمع مع الوزير محمد عبد اللطيف، ومدير الأكاديمية العسكرية لمناقشة عدد من محاور التدريب والتأهيل لمكونات العملية التعليمية، وعلى رأسها دعم قدرات ومهارات المعلمين. واعتبر البيان أن المعلم ركيزة أساسية للمنظومة التعليمية، وتشترك مختلف أجهزة الدولة في تطوير آليات انتقاء وإعداد الكوادر العاملة بالمدارس المصرية بما ينعكس على جودة الخدمة التعليمية التي يحصل عليها أبناء وبنات مصر في المدارس.
وسبقت إحالة قضاة وموظفين بوزارات الأوقاف والنقل والخارجية وغيرها إلى المؤسسات العسكرية المعنية بالتدريب، كي يتلقوا فيها "التأهيل" اللازم لممارسة مهام الوظيفة. ورغم أن هذا التوجه معتمد من سنوات، فإن اللافت كون وزير التعليم الجديد متهم بتزوير شهاداته الدراسية، ولوحظ في البيان إغفال ذكر لقب "دكتور" قبل اسمه، ما يعني أن النظام اقتنع أخيراً بالتفنيدات التي قدمها معارضون حول شهادات الوزير المزورة، والتي دافع عنها بقوله إنه حصل عليها عبر التعليم عن بعد، بينما تبين أن الجامعات التي منحته تلك الشهادات غير موجودة، أو تمنح الدرجات بمقابل مادي، وسط تساؤلات حول كيفية مكافحة الوزير الجديد للغش المتفشي بينما هو نفسه مزور للشهادات.
ويرى مراقبون أن الهدف الأساس من التدريب واختيار من لديه ولاء مطلق للسيسي من دون النظر إلى الكفاءة، وأن المنتفع الوحيد سيكون الأكاديمية التي ستحصل من وزارة التعليم على مقابل مادي عن كل معلم.
في المقابل، يعتبر آخرون أن الانضباط المفقود في المدارس يستلزم تدريب المعلمين على كيفية مواجهته بصرامة، فضلاً عن ممارستهم هم أنفسهم للانضباط بعد أن صار التسرب سمة عامة في المدارس.
وينتقد الخبير التربوي محمد رأفت هذه الخطوة، معتبراً إياها "حلقة في مسلسل عسكرة مؤسسات المجتمع"، وقد طاولت توظيف المعلمين الذين سيتلقون في الأكاديمية العسكرية تدريباً على أدوار ليس من بينها التربوي والتعليمي، بل سيتم تأمين ولائهم للمؤسسة العسكرية، وتهيئتهم لأدوار لا تليق بوظيفة المعلم.
ويتساءل رأفت: "لماذا نسعى لتدريب المعلمين في الأكاديمية العسكرية ونتجاهل دور أكاديمية المعلم التي تم إنشاؤها منذ سنوات؟ تكليف مؤسسة عسكرية بتدريب المعلمين يشكل إهانة كبيرة لوزارة التربية والتعليم، ولكليات التربية، ولرموز الفكر التربوي، ويشكل مسعى للقضاء على دور المعلم ورسالته السامية في المجتمع".
موضحاً لـ"العربي الجديد": "إذا كانت هناك رغبة في الاهتمام بالقدرات الشخصية للمعلم ووزنه ولياقته البدنية، فلم لا يتم التدريب عبر متخصصين مدنيين في التربية الرياضية بعيداً عن عسكرة التعليم باعتباره من الحصون التي ظلت عصية علي الاختراق طوال العقود الماضية؟ هذا الأمر يعيد إلى الأذهان الدعوات لتحويل المدارس الثانوية إلى مدارس عسكرية تؤمن الولاء للنظام، ولا تقدم أي فائدة للعملية التعليمية، ويعكس الرغبة في القضاء على دور المعلم".
في المقابل، يرى أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة عين شمس، حسن شحاتة، أن "المأمول من هذه الخطوة إحداث طفرة في قدرات المعلمين، ومعالجة أسباب القصور الذي شاب مستوى المعلمين خلال العقود الماضية، ووضعهم في المسار الصحيح لتعليم أجيال جديدة تتمتع بالإبداع والابتكار في إطار رؤية جديدة متقدمة لدور المعلم تتجاوز الدور التقليدي".
يضيف شحاتة لـ"العربي الجديد": "الأكاديمية العسكرية لديها بالتأكيد قدرات وإمكانات تكنولوجية، ومراكز تدريب متقدمة لا تتمتع بها وزارة التربية والتعليم، وهي قادرة على بناء قدرات المعلمين العلمية والتكنولوجية والبحثية، ناهيك عن كون المعايير المطبقة داخل الأكاديمية العسكرية قادرة على إعادة الانضباط للعملية التعليمية ودور المعلم".
من جانبه، اعتبر أستاذ التقويم التربوي بجامعة القاهرة، عاصم حجازي، أن "مصر افتقدت الرغبة في إحداث توازن في أساليب إعداد المعلم لعقود بسبب الاهتمام بالجانب الأكاديمي والمهني دون الاهتمام بالجانب الشخصي والقدرات الشخصية، وهو ما يمكن أن تضيفه الأكاديمية العسكرية، باعتبارها مؤسسة تدريب في المقام الأول، وأعتقد أن دورها إكسابه قدراً من المهارات الشخصية التي تجعله قدوة لطلابه، ولن تمس الدور التربوي والمهني لوزارة التربية والتعليم، ولا أعتقد أن هذه عسكرة للتعليم كما يردد البعض".
ويوضح حجازي لـ"العربي الجديد": "عانينا لسنوات طويلة من ظاهرة المدرس الذي يفتقد القدرة على التفاعل مع طلابه، ومن ثم فإن الأكاديمية العسكرية تستطيع أن تطور القدرات الشخصية التي يفتقدها قطاع كبير من المعلمين، لذا نرى اهتمام بوزن المتقدم لمهنة المعلم حتى يشكل قدوة لطلابه، ويكون قادراً على إخراج أفضل ما في الطلاب بوصف التعليم قاطرة التنمية. هذا التعاون يعد تصحيحاً لخطأ تاريخي، ويشكل دليلاً على التكامل بين مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، بما يصب في صالح المنظومة التعليمية".