لم تعد الأوضاع بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما كانت عليه قبل ذلك في المسجد الأقصى المبارك، حيث بات الاحتلال الإسرائيلي يفرض قيوداً مشددة ليس فقط على الأحياء، بل على دخول مشيعي الموتى وتحديد عدد من يصلون عليهم.
قوات الاحتلال وصل بها الأمر إلى تحديد أعداد المشيعين إلى عشرة أشخاص على أبعد تقدير، وبعد أن يتم احتجاز بطاقاتهم الشخصية على أبواب المسجد الأقصى إلى حين انتهاء الصلاة على الميت وخروجه للدفن خارج ساحات المسجد الأقصى في مقبرتي باب الرحمة أو اليوسفية.
منعٌ كهذا فُرض، اليوم الثلاثاء، على جنازة شاب في مقتبل العمر من عائلة التميمي المقدسية، إذ مُنع شبان العائلة من مصاحبة جثمان فقيدهم، قبل أن يتركوا بطاقاتهم الشخصية لدى أفراد شرطة الاحتلال، وما يسمى حرس الحدود الذين يتخذون نقاط تفتيش ثابتة على جميع أبواب المسجد الأقصى، الأمر الذي رفضه الشبان وآثروا البقاء خارج ساحات الأقصى، والصلاة على فقيدهم في ساحة الغزالي التي شهدت معركة البوابات الإلكترونية قبل عدة أعوام، ومنها انطلق آلاف المصلين إلى داخل المسجد معلنين انتصارهم على الاحتلال.
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يؤكد أحد موظفي دائرة الأوقاف الإسلامية، وفضل عدم الإفصاح عن اسمه، أن ما يجري يومياً على أبواب المسجد الأقصى وفي ساحاته يوحي بكثير من الأمور التي بات الاحتلال يكرسها يوماً بعد يوم.
ويقول: "إن الجنود المتمترسين على الحواجز ما انفكوا ينكلون بالمصلين، سواء كبار السن أو حتى الشبان الذين يلوح لهم الجنود من بعيد بعدم الاقتراب من بوابات المسجد ومن نقاط التفتيش المقامة هناك، بينما لا يتورعون عن التنكيل بكبار السن، بحيث يطلبون منهم التوجه من باب إلى باب، ويتم في بعض الأحيان دفعهم بقوة من قبل مجندات من يهود إثيوبيا على صوت ضحكات الجنود".
ويشير المصدر إلى ما يجري في ساحات المسجد الأقصى، ويصف ما يجري هناك بأنه الأخطر، حيث إن أعدادا كبيرة من جنود الاحتلال يستبيحون المسجد الأقصى ليل نهار سواء لمرافقة المستوطنين الذين تجاوزت أعداد مقتحميهم بعد مائة يوم من طوفان الأقصى السبعة آلاف مستوطن.
ويقول: "هناك أمر ما يبيتون له، وبتنا نشاهد يومياً وجوهاً غير مألوفة من الحاخامات ومن المستوطنين، بحيث لم يعد الأمر مقتصراً على فئات الشبان أو على الناشطات ممن يسمّين (نساء الهيكل)، بينما لا يسمح لحراس الأقصى من الاقتراب من هؤلاء المقتحمين الغرباء ومن مرافقين أجانب يصطحبونهم ليلقي بهم الحاخام المتطرف يهودا غليك دروساً وشروحات تاريخية ودينية تحاول طمس إسلامية المكان".
في كل ما يجري يلتزم مسؤولو دائرة الأوقاف الإسلامية الصمت، فمدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني ممنوع بقرار من شرطة ومخابرات الاحتلال الإسرائيلي من الإدلاء بأية تصريحات منذ أكثر من عام تحت طائلة الملاحقة والمساءلة، وذلك على خلفية مواقفه السابقة في معركة البوابات الإلكترونية وهبة الأقصى واتهامه آنذاك بقيادة الحراك الجماهيري والشعبي المناهض لمخططات الاحتلال.
الاحتلال يطارد خطباء المسجد الأقصى
وفي سياق هذه الملاحقات التي اتخذت سلطات الاحتلال من معركة "طوفان الأقصى" ذريعة لإعلان حالة الطوارئ والحرب وطبقتها على نحو خاص ضد المقدسيين، كما طاردت سلطات الاحتلال خطباء المسجد الأقصى، ولا تزال تعتقل أحدهم وهو محمود أبو خضير الذي تطرق في إحدى خطب الجمعة مطلع معركة الطوفان إلى المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مندداً بها، وداعياً إلى وقفها، ما اعتبرته سلطات الاحتلال تحريضاً على العنف ودعم الإرهاب.
في حين انتقمت سلطات الاحتلال من رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس الشيخ عكرمة صبري بإخطاره بهدم الشقة الواقعة في مبنى يقيم فيها مع 17 عائلة؛ بحجة عدم استكمال إجراءات ترخيصها التي بدأت قبل ربع قرن.
إزاء هذا الواقع الجديد الذي يتعرض له المسجد الأقصى، وانتهاك حقوق العبادة وحريتها، ومع عمليات القمع لآلاف المصلين التي تقوم بها شرطة الاحتلال الإسرائيلية كل يوم جمعة ومنها منع المصلين الشبان من الصلاة فيه، وجهت حراكات شبابية دعوات للمقدسيين لكسر إجراءات الاحتلال والتصدي لها، خاصة بعد تكرر الاعتداءات على النساء وسحلهن، كما حدث مؤخراً بالقرب من باب الساهرة، إضافة إلى استهداف الصحافيين في حي وادي الجوز والاعتداء العنيف عليهم كما حدث مع المصور الصحافي مصطفى الخاروف من وكالة الأناضول.
ويحذر نشطاء في حديث لـ"العربي الجديد" من استمرار هذه الإجراءات مع اقتراب شهر رمضان الفضيل مطلع شهر مارس/ آذار القادم.
ويقول الناشط معتز الرجبي لـ"العربي الجديد": "إن الوضع لم يعد يحتمل، فمنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والاحتلال يمنعنا من الصلاة في مسجدنا، ويعتدي علينا في الشوارع والطرقات، بينما يسمح لمستوطنيه باقتحامه وتدنيسه، وإذا تواصل هذا المنع في رمضان، فإن هبة أخرى ستحدث، تماماً كما حدث في معركة البوابات الإلكترونية، وهبة باب الرحمة".