تظاهرات حملة الشهادات العليا في العراق... حراك لا يتوقف

14 فبراير 2022
من احتجاجات الطلاب في السليمانية (Getty)
+ الخط -

حتى قبل اندلاع التظاهرات العراقية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بسنوات، كان خريجو الكليات والجامعات العراقية يُنظّمون وقفات احتجاجية بشكل أسبوعي، يطالبون عبرها بفرص العمل والتوظيف، اعتماداً على الكفاءة ووقف المحاصصة الحزبية في تقاسم الوظائف، وتعديل بعض القوانين الخاصة بالتعيينات الحكومية والتقاعد. لكن لغاية الآن يواصلون حراكهم الاحتجاجي، سواءً على مستوى حملة شهادة البكالوريوس أو الشهادات العليا، في معظم محافظات البلاد، وضمنها مدن إقليم كردستان شمال العراق، إذ لم يتحقق لهم شيء، رغم وعود حكومية متكررة في هذا الإطار.

ولا يُعرف العدد الحقيقي والدقيق للعاطلين عن العمل، سواء من خريجي الجامعات أو حملة الماجستير والدكتوراه في العراق، لكن التقديرات تشير إلى أن العدد تجاوز المليون، وجميعهم يبحثون عن وظائف، سواء في القطاع الخاص أو الحكومي.

ويشارك نحو ربع هذا العدد أمام مباني الوزارات والمقرات الحكومية في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى، أبرزها السليمانية وكركوك وبابل والناصرية والبصرة وميسان وبابل ومدن أخرى، وشهدت الأشهر الماضية اعتقالات بين صفوفهم، لكن عادة ما يتم الإفراج عن المعتقلين بعد التعهد بعدم التظاهر مرة أخرى.

لا تتوقف احتجاجات العاطلين عن العمل (Getty)

وتُرفع شعارات، منها "التعيين حقنا، والمباشرة مطلبنا" وغيرها، لكن لم يحدث خلال الأعوام الخمسة أن توجهت الحكومة إلى استقطاب أي شريحة منهم، بسبب تضخم أعداد الموظفين الذي تعاني منه مؤسسات الدولة في البلاد، جرّاء حملات التعيين الضخمة التي أقدمت عليها الحكومات السابقة، تحديداً حكومتي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006 ـ 2014)، إذ تُصنف هذه الفترة على أنها الأكثر توجهاً نحو تعيين الخريجين من دون دراسة منهجية واضحة لتوزيع الموظفين أو طريقة الاستفادة منهم.

تشهد العاصمة بغداد، أسبوعياً، احتجاجات تطالب بالتعيينات وفرص العمل، تؤدي عادة إلى غلق الشوارع

وتشهد العاصمة بغداد، أسبوعياً، احتجاجات تطالب بالتعيينات وفرص العمل، تؤدي عادة إلى غلق الشوارع، أمام وزارات الإعمار والإسكان والصحة والموارد المائية والتعليم العالي والصناعة، يقودها خريجون من معظم التخصصات، وتتراجع عادة بعد أيام لكنها تعود من جديد.

وخلال اليومين الماضيين، تظاهر العشرات من الخريجين في محافظات ديالى والقادسية والبصرة وميسان، للمطالبة بالتعيين وتوفير فرص عمل. وفي مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، أغلق بعضهم جسري النصر والزيتون إلى حين تنفيذ مطالبهم التي تقتصر على توفير درجات وظيفية لهم.

مطالبات بالتعيين وتوفير فرص عمل (ْGetty)

وقال علي سالم، وهو أحد المتظاهرين، إنّ "خريجي العراق في تزايد، مع ذلك فإن الحكومات العراقية لا تهتم بهم، بل إنها تُسخّر جميع فرص التعيينات للأحزاب"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرات التي تجري في الناصرية حالياً، تضم محاضرين من خريجي كليات التربية، وخريجي هندسة، وإعلام، وزراعة، وإدارة واقتصاد، إضافة إلى محامين تخرّجوا خلال السنوات الماضية، وهناك تنسيق مع بقية خريجي المحافظات من أجل مواصلة الضغط على الحكومة".

وأشارت نور العبيدي، وهي حاملة شهادة الماجستير في الهندسة، تتظاهر مع زملائها في منطقة العلاوي وسط بغداد، إلى أن "تظاهرات حاملي الشهادات العليا مستمرة منذ أربعة أعوام، أي أنها قبل تظاهرات "تشرين"، وسنواصل الاحتجاجات إلى حين تنفيذ المطالب، وتوزيع الخريجين على الدوائر والوزارات"، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي كان قد زار قبل أشهر، متظاهري منطقة العلاوي، وجمع عدداً كبيراً من أسماء المتظاهرين ووعدهم بالتعيين، إلا أن وعوده لم تتحقق، بل إنه يرفض استقبال أي ممثلين عن المتظاهرين للحديث معهم".

من جانبه، بيَّن الناشط كرار هادي، وهو عضو تنسيقية تظاهرات "خريجي الإعلام"، أن "الأحزاب المتنفذة والفصائل المسلحة والسياسيين يسيطرون على فرص العمل والتعيينات في الدولة العراقية، وأن معظم الأحزاب تقوم بتعيين المقربين منها والعاملين في كوادرها، حتى في أوقات إعلان الحكومات عن عدم وجود الدرجات الوظيفية، وهذا استغفال لحقوق العراقيين".

معتبراً، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "لدى الحكومة العراقية المقبلة فرصة لتعديل بعض القوانين والضوابط الخاصة بالتوظيف، لمنع استيلاء الأحزاب على الدرجات الوظيفية المخصصة للخريجين، إضافة إلى تخفيض سن التقاعد، وإغلاق الكليات الأهلية المملوكة للأحزاب، وتشديد شروط قبول الشهادات العليا المستوردة من الخارج، لا سيما وأن غالبيتها تفتقر إلى الرصانة العلمية".

بدوره، لفت النائب السابق في البرلمان العراقي علي البديري، إلى أن "الحكومات السابقة أخطأت في طرق التعيين، فقد توجهت إلى تعيين مئات الآلاف من الخريجين بدون توزيعهم بشكل دقيق على دوائر الدولة، الأمر الذي أدى إلى تضخم في أعداد الموظفين، ترافقه إنتاجية قليلة جداً، وهو ما يعرف بالبطالة المقنّعة".

مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "من دون التوجه نحو القطاع الخاص وتفعيل المصانع والمعامل العراقية المعطلة، فإن الشباب العراقي الغاضب سيستمر في الاحتجاج وستزداد الأزمة في البلاد".

المساهمون