علّقت الصين تعاونها مع الولايات المتحدة في مجال التغيّر المناخي، في خطوة يأمل الخبراء أن تكون مؤقتة بين البلدين الأكثر توليداً للانبعاثات، لتفادي انعكاساتها السلبية على العالم أجمع.
وجاءت هذه الخطوة بعد أشهر فقط من إعلان البلدين اتفاقاً غير متوقع لتعزيز التعاون بينهما في مجال المناخ خلال مؤتمر "كوب 26" الذي أقيم في مدينة غلاسكو العام الماضي، إلا أن زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان هذا الأسبوع، أثارت غضب الصين التي تعتبر الجزيرة ذات الحكم الذاتي جزءاً من أراضيها، ودفعتها إلى الرد من خلال إجراءات.
يقول الباحث في مركز "إي 3 جي"، آلدن ميير، إن تعليق التعاون بين البلدين في مجال المناخ "أمر مقلق طبعاً، ويثير المخاوف. يستحيل التعامل مع حالة الطوارئ المناخية إذا كان أكبر اقتصاد وثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر مولّد للانبعاثات وثاني أكبر مولّد للانبعاثات في العالم، لا يقدمان على أي خطوة، ومن المستحسن دائماً أن يتعاونا في ذلك".
وشدد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، الجمعة، على أن تعاون البلدين أساسي في "كل المشاكل الضاغطة" على مستوى العالم.
ويثير تعليق التعاون تساؤلات بشأن تداعياته على مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 27" المقرر أن تستضيفه مصر في نوفمبر/تشرين الثاني.
وسأل لي تشو، من منظمة "غرينبيس" البيئية: "ما شروط إعادة إطلاق الحوار؟ هل هذه الشروط مناخية أم جيوسياسية؟".
ارتفاع درجة حرارة الأرض وراء تضاعف موجات الحر والجفاف والفيضانات والعواصف
من جهته، يسأل آلدن ميير عن إذا كان الإجراء الصيني "تكتيكياً أم خطوة استراتيجية أطول أمداً؟ هل تقول الصين إن التعاون مستحيل طالما بقيت التوترات قائمة بين الصين والولايات المتحدة؟".
وارتفعت حرارة الكرة الأرضية بمعدل يناهز 1.2 درجة مئوية مقارنة بما قبل الحقبة الصناعية، ما أدى إلى مضاعفة موجات الحر والجفاف والفيضانات والعواصف في العالم. وفي حال عدم التزام الدول بتعهداتها المناخية، خصوصاً لجهة انبعاثات الغازات الدفيئة، يمكن لحرارة الأرض أن ترتفع بمستوى 2.8 درجة بحلول عام 2100، وفق تقديرات خبراء مناخ أمميين.
وحتى قبل التوتر الراهن بين الصين والولايات المتحدة، كانت الالتزامات الدولية أدنى من المطلوب، بسبب عوامل، منها الأزمات الاقتصادية الناتجة عن كوفيد-19، والغزو الروسي لأوكرانيا الذي تسبّب بأزمة طاقة عالمية دفعت إلى إعادة تفعيل محطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة على الفحم الحجري.
ويرى فرنسوا جيمين، وهو أحد معدّي تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، أن الخطوة الصينية "كارثة مطلقة للمناخ يمكن مقارنتها بالانسحاب الأميركي من اتفاقية باريس للمناخ" في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
وأعاد الرئيس جو بايدن في 2021، الولايات المتحدة إلى الاتفاقية الهادفة إلى خفض مستويات ارتفاع حرارة الأرض بنهاية القرن لما دون درجتين مئويتين، والسعي إلى ألا يتخطى هذا الارتفاع عتبة 1.5 درجة.
ويلحظ خبراء أن الانسحاب الأميركي ترافق مع تراجع في التزامات السياسة المناخية المحلية والخارجية، لكنهم يؤكدون أن الخطوة الصينية مختلفة. ويوضح مدير مبادرة المناخ في معهد الموارد الدولية، ديفيد فاسكو، أن الإعلان الصيني "بالتأكيد ليس انسحاباً من الساحة العالمية بشأن قضايا المناخ، أو رفضاً للتحرك" في سبيله.
ويشاركه هذا الرأي مؤسس مركز "باور شيفت أفريكا" لبحوث الطاقة، محمد آدو، إذ إن "دبلوماسية الابتعاد لا تعني أن الصين تتراجع عن التزاماتها"، لا سيما أن بكين "تتقدم على واشنطن بأشواط فيما يتعلق بالتحرك بشأن التغير المناخي" في العديد من المجالات.
وتعهّد بايدن بخفض انبعاثات الولايات المتحدة بحلول عام 2030، لما بين 50 و52 في المائة من مستوياتها في 2005، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050. إلا أن طموحاته في هذا المجال تتأثر بالفشل في دفع مشاريع الطاقة النظيفة، والمبادرات المناخية في الكونغرس، على الرغم من تحقيق بعض التقدم في هذا المجال خلال الأيام الماضية.
ولا تزال الصين في الصدارة عالمياً على صعيد مستويات انبعاثات الغازات الدفيئة، إلا أنها تحتل مرتبة أدنى بكثير من الولايات المتحدة لجهة مستوى الانبعاثات نسبة لعدد السكان، وتعهّدت الصين بأن تبلغ ذروة الانبعاثات في 2030، والحياد في 2060.
ويرى ميير أنه حتى في غياب التعاون مع واشنطن "ستُمارس ضغوط على الصين من أطراف آخرين مثل الاتحاد الأوروبي والدول الأكثر عرضة" للتأثيرات السلبية لتداعيات التغيّر المناخي.
(فرانس برس)