تكشف خرائط جديدة أعدّتها هيئة المسح الجيولوجي البريطانية كيف يمكن لتغيّر المناخ أن يؤدّي إلى زيادة المشكلات المتعلقة بهبوط منازل وعقارات في بريطانيا في خلال الأعوام الخمسين المقبلة. ويحدث ذلك عندما تنكمش الأرض تحت الممتلكات، فتغرق معها أسس العقار. وقد يتسبّب ذلك في أضرار في الجدران والأرضيات، الأمر الذي يُحدث تشققات وربّما زعزعة البناء.
ويحذّر المهندس الجيولوجي لي جونز وهو خبير في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية، من أنّ عدد العقارات في بريطانيا التي تواجه مشكلات هبوط وتضرر في الممتلكات نتيجة الانكماش في ازدياد. فبعدما كانت تُقدَّر بثلاثة في المائة فقط في عام 1990، من المرجّح أن تصل إلى 10 في المائة بحلول عام 2070. ويقول جونز لـ"العربي الجديد" إنّه "وفقاً لما أوردته جمعية شركات التأمين البريطانية في عام 2018، في إمكان الناس أن يعرفوا إذا كانت منازلهم قد تعرّضت إلى الهبوط عادةً، من خلال ملاحظة شقوق في الجدران عريضة في الأعلى أكثر ممّا هي في الأسفل، تزيد سماكتها عن ثلاثة ميليمترات، وتأتي بشكل خطوط قطرية. وهي مرئية من الداخل وكذلك من الخارج، وتكون بالقرب من الأبواب والنوافذ، وتسبّب تموّجات في ورق الجدران". لكنّ جونز يشير إلى أنّ "الشقوق قد تظهر على الجدران لأسباب أخرى، إلى جانب مشكلة الهبوط". وبالتالي، ينصح بطلب مشورة متخصصة من خبير عند ملاحظة أيّ شقوق في الجدران.
وفي ما يتعلق بأسباب تعرّض منازل لندن أكثر من منازل بقية مدن بريطانيا للهبوط، يشرح جونز أنّ "ثمّة تكوينات صخرية أكثر عرضة إلى عملية الانكماش والتضخم بشكل رئيسي في جنوب شرقي بريطانيا. هنا تكوينات طينية صغيرة، ما يجعلها قادرة على امتصاص الرطوبة أو فقدانها بسهولة أكبر. أمّا الصخور الطينية في أيّ مكان آخر من البلاد فهي أقدم، وقد ازدادت صلابة في عمق الأرض، بالتالي هي أقل قدرة على امتصاص الماء". يضيف جونز أنّ "لندن تقع على تربة طينية شديدة التأثّر. إلى جانب هذا، ثمّة 8.5 ملايين شخص تقريباً يعيشون في منطقة لندن الحضرية الكبرى (نحو 15 في المائة من سكان بريطانيا) بتكاليف سكن تبلغ نحو 725 مليار جنيه إسترليني (نحو بليار و27 مليار دولار أميركي). وهذا يعني ببساطة أنّ عدداً أكبر من المنازل معرّض إلى الخطر. ومع التوقعات المناخية بفصل صيف أكثر حرارة وجفافاً وبفصل شتاء أكثر اعتدالاً ورطوبة، يمكن أن يكون لذلك تأثير أكبر على مساحة أكبر، الأمر الذي قد يؤدّي إلى مزيد من الشقوق في مزيد من المنازل".
وتُعَدّ عملية انكماش الأرض وتضخمها، التي يُبلَّغ عنها في الغالب على أنّها هبوط، من المخاطر الجيولوجية في بريطانيا اليوم، وقد كلّفت الاقتصاد الوطني نحو ثلاثة مليارات جنيه إسترليني (نحو أربعة مليارات و250 مليون دولار) في خلال العقد الماضي.
وقد جمعت هيئة المسح الجيولوجي البريطانية المعلومات الجيولوجية التقنية حول حركة الأرض المحتملة، مع بيانات حول سيناريوهات هطول الأمطار ودرجات الحرارة على المدى الطويل، لتحديد المناطق البريطانيا التي من المرجّح أن تصير عرضة إلى عملية الانكماش والتضخم في المستقبل. واستناداً إلى واحدة من أربع مجموعات بيانات جديدة تتعقب المعلومات حول تأثير تغيّر المناخ منذ عام 1990، كُشف عن توقعات مهمة للعقد المقبل، بالإضافة إلى توقعات حتى عام 2070. وتظهر تلك البيانات السيناريو الأسوأ إذا لم تتخذ بريطانيا أيّ إجراء من شأنه خفض انبعاثات الكربون لتقليص نشاط الانكماش الناتج عن تغيّر المناخ.
وتشير عملية الانكماش والتضخم إلى التغيّرات في حجم التربة بسبب تغيّرات الرطوبة في الأرض. فعندما تمتصّ التربة الغنية بالطين كثيراً من الماء، فإنّه من الممكن أن تتسبب ضغوط التضخم في ارتفاع الأرض وبالتالي العقارات، وهو ما يُعرف باسم الرفع. أمّا في الطقس الأكثر دفئاً وجفافاً، فمن الممكن أن تصير التربة شديدة الصلابة عندما تجفّ، ونتيجة ذلك تنكمش الأرض وتتصدّع، وهو ما يؤدّي إلى هبوطها.
بالنسبة إلى هيئة المسح الجيولوجي البريطانية، فإنّ تسليط الضوء على المخاطر المحتملة مبكراً من شأنه أن يساعد السلطات المحلية والمطوّرين وأصحاب العقارات في زيادة المرونة في مواجهة التغيّرات المناخية، بالإضافة إلى التخطيط الفعّال وتقليل تعرّضهم إلى تكاليف المعالجة المرتفعة المحتملة. ووفقاً للتوقعات، من المرجّح أن تتأثر أكثر من ثلاثة في المائة من العقارات في كل أنحاء بريطانيا بحلول عام 2030، وما يقرب من ثلاثة أضعاف هذا الرقم (10.9 في المائة) بحلول عام 2070. والعقارات الأكثر عرضة للضرر هي تلك القائمة في مناطق لندن المكتظة بالسكان، لا سيّما بشمالها ووسطها، وفي كينت بالجنوب الشرقي. وتشير التوقعات إلى أنّ نسبة العقارات في لندن المحتمل تأثّرها بالمناخ، سوف ترتفع من 20 في المائة في عام 1990 إلى 43 في المائة بحلول عام 2030، ونحو 57 في المائة (ثلاثة أضعاف نسبة عام 1990) بحلول عام 2070.
ويمكن أن يؤدي هبوط العقارات بسبب عملية الانكماش والتضخم إلى خسارة مالية لأيّ شخص يشارك في ملكية أو إدارة ممتلكات أو أعمال البنى التحتية الرئيسية والمرافق، بما في ذلك المطوّرين وأصحاب المنازل والحكومة المحلية. ومن المرجّح أن تؤدّي هذه المخاطر إلى زيادة تكاليف أقساط التأمين وانخفاض أسعار المنازل، وفي بعض الحالات إلى أعمال هندسية لتثبيت الأرض أو الممتلكات، فضلاً عن استبدال أنابيب المرافق والبنى التحتية للنقل غير المستقرة. ومع ذلك، يلفت خبراء في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية إلى أنّه من المهم أن نفهم أنّ ثمّة خطوات يمكن لمالكي العقارات اتّخاذها للحدّ من التأثير المستقبلي على العقارات الناتج عن عملية الانكماش والتضخم. ويوضح جونز في هذا السياق أنّ "الخطوات الأخرى التي يمكن لمالكي العقارات اتّخاذها هي أن يكونوا على دراية بالآثار السلبية التي تنتج عن إقامة ممرات خارجية أو مواقف سيارات تمنع امتصاص المياه أو تسرّبها أو زراعة أو إزالة الأشجار بالقرب من ممتلكاتهم".