أصدرت "لجنة الإنقاذ الدولية" (IRC)، يوم أمس الأربعاء، بالتعاون مع منظمات طبية محلية سورية شريكة لها، بعد تقييم أجرته في ديسمبر/كانون الأول 2020، في مناطق ضمن شمال غرب سورية، تقريراً يُظهر حجم الدمار الذي خلّفته 10 أعوام من هجمات النظام السوري وروسيا على المرافق الصحية في سورية، ما تسبّب بشلل كبير في قدرة مناطق سيطرة المعارضة، على مواجهة فيروس كورونا. وأشارت اللجنة إلى أنّه "نتيجة الهجمات ضدّ المرافق الصحية، بات العاملون يخشون على أنفسهم، ما دفع بالكثير منهم إلى المغادرة".
وأجرت المنظمة استطلاعاً استهدف 237 مدنياً، و74 شخصاً من العاملين في مجال الرعاية الصحية، في 12 ناحية من محافظتي إدلب وحلب، شمال غرب سورية، أكّدت من خلاله أنّ "59% من المستجوبين تأثّروا بشكل مباشر من تدمير مراكز الرعاية الصحية، وقال 33% منهم إنّهم تعرّضوا لهجوم مباشر، و24% قالوا إنهم لم يتمكّنوا من الحصول على العلاج بسبب الهجوم، في حين أُجبر 24% منهم على الفرار من منازلهم بسبب هجمات، و17% أُصيبوا أو قُتل أحد أفراد عائلتهم بسبب تلك الهجمات، و12% أُصيبوا بجروح متفاوتة، و67% أفادوا أنّ رفاقهم تأثّروا بتلك الهجمات، و56% يخشون العيش بالقرب من المرافق الصحية لأنها أهداف، و47% يرفضون الحصول على الرعاية الصحية خوفاً من التعرّض لهجوم".
وأشارت اللجنة في تقريرها إلى أنّ 72% من الهجمات التي تعرّضت لها المرافق الصحية، كانت عبارة عن غارات جوية، و12% غارات جوية تزامنت مع قصف أرضي، و7% قصف مدفعي أو صاروخي، لافتةً إلى أنّه "نحو 70% من العاملين في القطاع الصحي غادروا البلاد، وباتت النسبة الآن، طبيب واحد، لكل 10 آلاف سوري. وفي محاولة لتعويض النقص، يضطر العاملون في هذا المجال للعمل أكثر من 80 ساعة في الأسبوع".
وكانت منظمة الصحة العالمية قد نشرت تقريراً لها في 11 مارس/ آذار 2020، وثّقت ضمنه 494 هجوماً على منشآت طبية بين عامي 2016 و2019، مشيرةً حينها إلى أنها "المرة الأولى التي تُصدر فيها منظمة الصحة بيانات شاملة عن ضرب المواقع الطبية". وأضافت أنّ "العدد الإجمالي للوفيات بين العاملين بالقطاع الطبي والمرضى، بلغ 480 من يناير/ كانون الثاني 2016 حتى تاريخ صدور التقرير".
من جهة أخرى، أدانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها، الثلاثاء، قيام القوات الروسية بتفجير مستشفى "الدكتور حسن الأعرج"، المعروف باسم مستشفى "المغارة"، في محيط مدينة كفرزيتا شمال حماة، والتي سيطرت عليها قوات النظام بدعم روسي في أغسطس/ آب من العام 2019. وأشارت في تقريرها إلى أنّ روسيا "تهدف من خلال تفجيرها المستشفى، محو العمل البطولي الذي قامت به الكوادر الطبية لإسعاف المصابين وإنقاذ حياتهم، ومحو آثار العدوان والجريمة التي قامت بها القوات الروسية في قصفها البربري للمستشفى، البعيد تماماً عن المدينة وعن المراكز العسكرية". وطالبت ما أسمتهم الشبكة بـ"دول العالم الديمقراطية"، بإدانة هذا الفعل الهمجي وفضح الممارسات الروسية في سورية أمام الرأي العام الروسي والعالمي.
وأُنشئ المستشفى المذكور في مغارة حُفرت داخل الصخر، لحماية المراجعين والكادر الطبي للمستشفى، إثر تعاظم الاستهداف الممنهج للمنشآت الصحية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، شمال غربي سورية، من سلاح الجو الروسي وأيضاً ذلك التابع للنظام السوري.
ونشرت قناة "زفيزدا" الروسية، الإثنين الماضي، مقطعاً مصوراً يُظهر تجوّل مراسيلها في مستشفى "المغارة"، على أطراف مدينة كفرزيتا بريف حماة الشمالي، مدعيةً في تقريرها أنّ "الجيش الروسي المنتشر في محافظة إدلب استولى على الكهف الذي جهّزه المسلّحون ودمره بشكلٍ كامل، وهو بُني عام 2015 واستخدمه المسلّحون كمترو أنفاق حتى العام السابق له". وأضافت القناة أنّه "لم يكن من الممكن الاستيلاء على المنشأة الطبية المحصّنة إلاّ بعد هجوم كبير للجيش السوري" لافتةً إلى أنّ "جزءا كبيرا من المعدات الطبية داخل المغارة من إنتاج أجنبي"، حسب وصفها.
ونفى عبد الرزاق القدور، المدير العام لمستشفى المغارة لـ "العربي الجديد"، الادعاءات الروسية حول كون المسلّحين هم من أنشأوا المستشفى، مؤكداً أنه "أشرف بنفسه على بناء المستشفى، مع الدكتور حسن الأعرج، مدير صحة حماة سابقاً، والذي قُتل جرّاء غارة جوية روسية استهدفت المستشفى بشكل مباشر في 13 إبريل/ نيسان من العام 2016".
وأوضح القدور: "بدأنا بإنشاء المستشفى في يناير/ كانون الثاني من عام 2015 بدعم من الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، وأجرينا أولى العمليات الجراحية داخلها في أكتوبر/ تشرين الثاني من العام ذاته"، لافتاً إلى أنّ المستشفى "كان يُجري 30 عملاً جراحياً، شهرياً، وعند اشتداد وتيرة القصف في ريف حماة، ارتفع عدد العمليات الجراحية في المستشفى إلى 100 عمل جراحي في الشهر". وأكّد أنّ "المستشفى تعرّض لأكثر من 150 هجوم بالطائرات الحربية، استهدفت البنى التحتية للمستشفى ومحيطه، منها 60 غارة جوية روسية، إحداها في إبريل/ نيسان من العام 2016 أدّت إلى مقتل الدكتور حسن الأعرج، بالإضافة إلى استهداف المستشفى بغاز الكلور من قبل طائرة مروحية تابعة للنظام، أدّت إلى إحداث إصابات طفيفة في الكادر الطبي".
وأضاف إلى أنّه "بعد اجتياح المنطقة من قبل قوات النظام، مدعومةً بقوات روسية وميليشيات إيرانية، نزح كادر المستشفى بكامله إلى مناطق الشمال السوري، وتوزّعوا على المنشآت الطبية التي تدعمها منظمة (سامز). القسم الأكبر من الكادر يعمل في المركز الصحي في بلدة باتبو غرب حلب، وبقية الأطباء والممرّضين يعملون في مستشفى باب الهوى الحدودي ومستشفى إدلب الوطني، ومستشفى (الأمومة) في بلدة قاح شمال إدلب".
من جهته، أشار فادي حكيم، مسؤول المناصرة، في الجمعية الطبية الأميركية السورية "سامز"، إنّهم شاركوا مع مجموعة من المنظمات، كلّ وفق المنشآت التي يديرها، في تجميع المعلومات لتقرير "لجنة الإنقاذ الدولية". مؤكداً أنّ الجمعية تدير أكثر من ثلاثين منشأة طبية مختلفة في إدلب.
وأضاف حكيم في حديث لـ"العربي الجديد": "تقدم المنشآت الصحية التي تدعمها المنظمة، أنواعاً مختلفة من خدمات الرعاية الصحية الأولية، كمعالجة الأمراض السارية والتطعيمات، ومعالجة الأمراض المزمنة، والصحة الإنجابية، وطب الأمومة والطفل، والصحة النفسية والذهنية، بالإضافة للرعاية الصحية الثانوية ضمن المستشفيات وفي مختلف التخصّصات الجراحية، الخدمات التشخيصية والعناية المشدّدة، وكذلك الرعاية الصحية الثالثية أو التخصّصية، مثل مرضى السرطان وغسيل الكلى وغيرها". وحول الوضع الأمني للقطاع الصحي شمال غرب سورية، أكّد حكيم أنّ "كافة المنشآت تحت خطر الاستهداف بأي لحظة، وأثبتت السنوات السابقة، ألاّ احترام للقانون الدولي الإنساني، وتعيش الكوادر الطبية بحالة توتر دائم نتيجة هذا الأمر، خصوصاً أنّ معظمهم قد تعرّض للقصف سابقاً".
وتدعم "سامز" جزءاً كبيراً من منشآت القطاع الصحي في إدلب ومحيطها، تعرّض الكثير منها للقصف وأعيد تأهيله، فيما قضت ضربات عنيفة على بعض المنشآت بشكل كامل.