فجّر اعتداء شاب تركي على سائح كويتي في ولاية طرابزون، شمال شرقيّ تركيا، موجة اتهامات متبادلة زادت من موجات العنصرية المتفشية في الشارع التركي، التي تنامت بفعل تحريض أحزاب معارضة خلال الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في مايو/أيار الماضي، وعادت مجدداً في ظل التحضير للانتخابات البلدية التي ستجري في مارس/آذار المقبل.
وتحولت الواقعة إلى سجال بين نشطاء عرب وأتراك، خصوصاً بعد تصريحات ناشط كويتي بضرورة دعم مواطنين عرب للحصول على الجنسية التركية والترشح للرئاسة، مشيراً إلى أنه في حال فوزهم بالانتخابات سيُعمَل على "تكسير تماثيل (كمال) أتاتورك وإزالة صوره". في المقابل، طالب نشطاء أتراك العرب الغاضبين باستضافة اللاجئين السوريين وغيرهم في بلدانهم ما داموا يعتبرون تركيا غير صالحة لمعيشة اللاجئين.
ويأتي الاعتداء على السائح الكويتي بعد وقائع اعتداء لفظي وجسدي على سياح ينتمون إلى بلدان الخليج واليمن والجزائر، فضلاً عن تطور الاعتداءات إلى حد قتل لاجئين سوريين.
وهدد وزير العدل التركي، يلماز تونج، بأن بلاده لن تتسامح مع تنامي ظاهرة معاداة الأجانب، وأضاف خلال تصريحات متلفزة أن "النيابات العامة فتحت العديد من التحقيقات في هذا الخصوص، والتحقيقات ستتحول إلى دعاوى قضائية لاحقاً، وسيُحاكَم مرتكبو هذه الجرائم، وتُطبَّق الأحكام القانونية بحقهم".
جاء الاعتداء على السائح الكويتي في تركيا بعد وقائع اعتداء سابقة على سياح عرب
وتوعد الرئيس التركي أردوغان مراراً بمحاسبة مروجي العنصرية والكراهية، وقال في تصريحات أخيرة: "لن نسمح لهذه الألعاب الخبيثة التي تدمر نسيجنا الاجتماعي، من استفزازات منظمات إرهابية، وبعض السياسيين، إلى سمّ العنصرية وكراهية الأجانب بأن تتجذر. سنحبط جهود حفنة المحتالين الذين ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي لتفريق شعبنا وتحويل بلادنا إلى ساحة معركة".
في المقابل، انتشرت دعوات خليجية وعربية لمقاطعة السياحة في تركيا، وتزايدت إلى التهديد بسحب الاستثمارات، وتوجيه رؤوس الأموال إلى بلدان أخرى. فيما أطلقت الحكومة التركية، الأربعاء، حملة أمنية تستهدف مروجي الكراهية، والمتورطين بالتحريض على اللاجئين والأجانب، شملت اعتقال 27 متهماً في 12 ولاية. كذلك تواصل النيابة العامة التحقيق في القضايا المعتمدة على منشورات متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن أوقفت السلطات مسؤولي عدة مواقع إخبارية عنصرية، وأوقفت كتّاباً وصحافيين، من بينهم رئيس تحرير صحيفة "أيكري"، باتوهان تشولاك، والصحافي سهى تشار داكلي، بتهم التحريض على الكراهية، والعداء للاجئين، ونشر معلومات مضللة، بحسب بيان المدعي العام في العاصمة أنقرة.
وتتركز الأنظار حالياً على رئيس حزب "الظفر"، أوميت أوزداغ، الذي يصنفه أتراك ومقيمون باعتباره أكثر المحرضين على السوريين والعرب عموماً، وإثارة للنعرات القومية والمذهبية، ما دفع أوكتاي سارال، كبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى التعليق على الاعتداء على السائح الكويتي عبر موقع "إكس"، قائلاً إن أوزداغ يزرع الكراهية في المجتمع التركي، وإن حوادث الاعتداء العنصرية لا تتوافق مع قيم الأخوّة الشائعة في طرابزون، مضيفاً أن أنصار أوزداغ "يهددون بجرّ تركيا إلى حرب أهلية، وأصبحوا مشكلة أمن قومي".
وتصدر وسم أوميت أوزداغ مواقع التواصل الاجتماعي وسط مطالبات متزايدة بمحاسبته بسبب خطاب الكراهية الذي يتبناه، واتهم بأنه المسؤول عن تصاعد ظاهرة العنصرية تجاه العرب في تركيا. وانتشر الوسم بعد خطاب أوزداغ الذي أثار جدلاً في الأوساط التركية، والذي انتقد خلاله أفراد من الجالية العربية في تركيا.
أوقفت السلطات التركية كتّاباً وصحافيين بتهمة التحريض على الكراهية
ويؤكد رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل، لـ"العربي الجديد"، أن "القوانين التركية تجرّم العنصرية، والنصوص واضحة، ولا صحة لما يقال إن القانون التركي يفتقر إلى تلك العقوبات. التمادي بالتساهل مع تنامي الكراهية والعنصرية سيطاول المجتمع التركي نفسه، خصوصاً بعد تعدي عنصريين على أتراك محافظين، وعلى محجبات".
والمتابع للتنمر والعنصرية بالشارع التركي، يلحظ تزايد الحالات خلال الفترة الأخيرة، إذ طاول التعدي الجسدي سائحاً مصرياً في "ساحة تقسيم" أخيراً، وسبق ذلك اعتداء على سياح خليجيين في مطعم بمدينة إسطنبول، تلاه اعتداء آخر على سيدة خليجية، وقد ظهرت في فيديو متداول وهي تصرخ داخل أحد المحال التركية، وتقول: "لا تستقبلوا السياح ما داموا غير مرغوب فيهم".
لكن حادثة الاعتداء على السائح الكويتي بولاية طرابزون، فاقمت الجدل، إذ تدخلت وزارة الخارجية الكويتية، وهدد البعض بسحب الاستثمارات الخليجية، وقوبل بيان ولاية طرابزون حول الواقعة بجدل كبير مستمر، وصولاً إلى المطالبات بضرورة تأمين السياح والمقيمين العرب.
وكتب المستشار السابق لرئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، ياسين أقطاي، في مقال، إن خطر الخطابات العنصرية التي تستهدف العرب على تركيا، لا يقلّ عن خطر المنظمات الإرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني و"داعش"، ويجب أن تكون الإجراءات المتخذة ضد العنصريين مشابهة لما نواجه به المنظمات الإرهابية.
ويقول مدير أكاديمية فكر للدراسات الاستراتيجية بإسطنبول، باكير أتاجان، لـ"العربي الجديد"، إن "خطوات الحكومة التركية جاءت متأخرة، وهي ليست كافية، وربما كان التريث هدفه كشف أبعاد التحريض، وارتباطه بشخصيات داخلية أو تنظيمات في الخارج. لكن مواد القانون القائمة غير كافية لردع المحرضين والعنصريين، ولا بد من تضمين مواد خاصة بالدستور الجديد تكون أكثر وضوحاً وحزماً، لأن مخاطر العنصرية لن تقتصر على العرب أو السياح، بل ستمتد إلى المجتمع التركي، فالبلاد مكونة من قوميات عدة. كانت بلادنا تشكو من عنصرية الأوروبيين ضد الأتراك، لكنها وقعت بما كانت تشكو منه".
ورغم ترحيل أو عودة نحو 600 ألف منهم، يظل اللاجئون السوريون الحلقة الأضعف، إذ تزايدت حالات الطرد من المنازل، والإساءات المختلفة. يقول الناشط السوري، طه الغازي: "رصدنا منذ 20 يوليو/تموز خمس حالات قتل لسوريين، وتسع حالات طعن، ونخشى من تزايد الجرائم بالتوازي مع اقتراب الانتخابات البلدية بعد أن بات اللاجئون السوريون ورقة سياسية تستخدمها الأحزاب المعارضة للتحريض، والزعم أنهم سبب غلاء الأسعار".
ويوضح غازي لـ"العربي الجديد" أن "تنامي العنصرية يعود إلى أسباب داخلية وخارجية، سياسية واجتماعية واقتصادية، ولا بد من إجراءات رادعة، وعقوبات توقف تمددها قبل أن يهدد الداخل التركي. مركز مناهضة المعلومات المضللة التابع لرئاسة الجمهورية غير كافٍ، لأنه يوصّف المعلومات فقط، كذلك فإن القانون الذي أقره البرلمان ضد التضليل والكراهية لم يطبق على الساسة، وفي مقدمتهم أوميت أوزداغ. ينبغي أن تتفادى تركيا هذا الخطر المحدق قبل تمدده، فما يجري بداية لا بد أن يُواجه بقوانين رادعة، والدولة التركية استشعرت خطر تبعاته، خصوصاً بعد حادثة السائح الكويتي، وتأكيدات المسؤولين بعدم التساهل معها، لكن ذلك غير كافٍ بدليل تنامي الظاهرة".