لا تخلو أسواق السمك في تونس من عشرات العمال البسطاء الذين يقتنصون رزقهم اليومي عبر تنظيف مختلف أصناف الأسماك، إذ يعرض هؤلاء تلك الخدمة على المشترين في مقابل مقابل بسيط يحدده الزبون حسب قدرته على الدفع.
ورغم أن سجلّ المهن التونسية لا يعترف بمهنة "منظف الأسماك"، إلا أن العاملين في هذا المجال يسعون إلى فرض وجودهم على هامش الأسواق مستفيدين من إقبال غالبية الزبائن على هذه الخدمة التي يتقنون تفاصيلها حسب الأصناف ومواسم الصيد.
في العموم، يستغل منظفو الأسماك في الأسواق المنصات الخلفية للمحال التي تخصص لغسل السمك في إطار اتفاقات تعاقدية مع أصحاب تلك المحال الذين يوفرون لهم هذه المساحات بمقابل مادي، أو مقابل مساعدتهم في البيع وترصيف السلع. يقول منظف الأسماك، عصام علي (30 سنة)، إن "تنظيف الأسماك جزء لا يتجزأ من المهن المرتبطة بالصيد البحري، ولا غني عنها عند بيع السمك، ويعرف محترفو تلك المهنة تقنيات التعامل مع مختلف أصناف الأسماك التي لا يجيدها إلا المتخصصون".
ويحتاج تنظيف بعض أنواع الأسماك وغيرها من الكائنات البحرية إلى مهارة خاصة وخبرة لا يمتلكها الجميع، كما يعد تنظيف أصناف مثل الجمبري والحباري وأسماك السردين الصغيرة أصعب مقارنة مع أنواع الأسماك الكبيرة، وتعرف مهنة تنظيف الأسماك عدة مواسم ازدهار، كما تشهد في بعض أوقات العام نوعاً من الركود.
يعمل عصام في منصة لتنظيف الأسماك بسوق محافظة بنزرت، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "هذه المهنة تحتاج إلى خبرة ودراية في التعامل مع مختلف الأصناف البحرية، من أجل ضمان إزالة جميع الشوائب مع الحفاظ على جودة السلعة. يقبل أغلب زبائن السوق على تنظيف أسماكهم تجنّبا لعناء إزالة الحراشف وأمعاء المنتجات البحرية التي يقتنونها في منازلهم بأنفسهم، وتوفر هذه المهنة مورد رزق لعدد كبير من التونسيين الذين احترفوا هذا العمل قبل سنوات".
تحتاج عملية تنظيف الأسماك وتجهيزها للطهي أدوات خاصة، ومهارات خاصة يتقنها العاملون في هذا المجال، وتبدأ العملية بكشط السطح الخارجي للأسماك لنزع القشور بواسطة أداة مسننة، ثم استخراج الأحشاء بواسطة السكين، فيما يتم تنظف أنواع أخرى بطريقة سلخ الجلد، قبل أن يبدأ التقطيع حسب المطلوب، أو حسب طريقة الطهي.
يشير منظف السمك الثلاثيني إلى أن "تنظيف السمك مهنة غير معترف بها في الأسواق، وهذا ما يفسر غياب المحال الخاصة بها، ما يدفع العاملين في هذه المهنة إلى استغلال أجزاء من محال بيع الكائنات البحرية. هذه المهنة قديمة في أسواق تونس، ويعمل بها العشرات، كما أن عدداً من صغار الصيادين يختارون العمل في تنظيف السمك بالأسواق أو الموانئ عندما تسوء الأحوال الجوية، ويحول هيجان البحر دون إبحار زوارقهم الصغيرة".
ويعد موسم سمك "الشاوري" هو الأهم نظراً لاقتناء الأسر كميات كبيرة منه لتخزينها ضمن مؤنتهم، وتتم عملية التنظيف عادة في الأسواق، وفي الموانئ أيضاً. ويستعمل "الشاوري" بأشكال عديدة، وتختص محافظات الساحل التونسي، وتحديداً بنزرت، بأطباق كثيرة تتكون منه، كما يتم تخزينه كمؤونة بعد تمليحه.
يكثر سمك" الشاوري" على سواحل بنزرت في الفترة الممتدة بين 15 مايو/أيار و15 يونيو/حزيران من كل عام، ليعلن انطلاق فصل الصيف وانتهاء فصل الربيع. وهو من فصيلة "سبيكرا" ثنائي الجنس، يولد أنثى ثم يتحول إلى ذكر، وينتشر في جميع سواحل البحر المتوسط، ويعيش على عمق يتراوح بين 30 و50 متراً، ولونه أزرق ورمادي، وعقب موسم التكاثر، يتكتل في مجموعات، ويغادر نحو المحيط الأطلسي.
وحول المردود المالي لمهنة تنظيف السمك، يقول عصام: "لا توجد تعريفة متفق عليها من قبل المهنيين، فهذه الخدمة تخضع للعرف، إذ يحدد ثمن تنظيف غلال البحر حسب الكمية، بينما يخضع تنظيف السمك إلى تقييم الزبائن للجهد الذي يبذله العامل في هذه المهنة، وتعد السرعة والإتقان من أبرز شروط تنظيف السمك، وعادة ما ينجز المنظف الخدمة في وقت وجيز، بينما يكلف التنظيف في المنزل وقتاً وجهداً كبيراً".