أكد محامون يستعدون لمقاضاة الحكومة الدنماركية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أنّ محاولات كوبنهاغن إعادة مئات اللاجئين السوريين إلى بلادهم باعتبارها آمنة "تشكل سابقة خطيرة، وقد تدفع دولاً أخرى إلى انتهاج الطريقة ذاتها".
وقبل نحو عام، بدأت السلطات الدنماركية رفض طلبات اللاجئين السوريين لتجديد الإقامة المؤقتة، وبرّرت قرارها بتقارير تفيد بأنّ الوضع الأمني في بعض أجزاء سورية قد تحسن.
وقال المحامون، وفق ما تورده صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، اليوم الخميس: "يُعتقد أن هذا القرار أثّر على نحو 1200 لاجئ فرّوا من دمشق، ويعيشون حالياً في الدنمارك".
تتخذ مؤسسة "جيرنيكا 37" من العاصمة البريطانية لندن مقراً لها، وتقدم المساعدة المجانية أو ميسورة الكلفة في قضايا حقوق الإنسان، وبدأت العمل مع محامي اللجوء والأسر المتضررة على وقف سياسة الترحيل الدنماركية بموجب "اتفاقية جنيف" التي تنص على عدم الترحيل القسري، وخصوصاً أنّ سورية لا تعتبر آمنة وفق تصنيف الأمم المتحدة.
وأكدت المؤسسة الحقوقية أنه "في حين أنّ خطر العنف المباشر المرتبط بالنزاع قد تضاءل في بعض أجزاء سورية، فإنّ خطر العنف السياسي لا يزال كبيراً، كما أنّ اللاجئين العائدين من أوروبا مستهدفون من قبل النظام، وفي حال نجاح مساعي الحكومة الدنماركية في إعادة اللاجئين قسراً إلى سورية، فإنها ستشكل سابقة خطيرة من نوعها، وقد تحذو حذوها العديد من الدول الأوروبية".
ويبلغ عدد سكان الدنمارك نحو 5.8 ملايين نسمة، من بينهم حوالي 500 ألف ولدوا في الخارج، وتضم البلاد 35 ألف سوري. بيد أنّه مع تنامي قوة حزب "الشعب" الدنماركي اليميني المتطرّف، تأثّرت سمعة الدولة الاسكندنافية التي كانت معروفة بالتسامح والانفتاح.
ويقول مراقبون إنّ الموقف المتشدد إزاء اللاجئين السوريين ينطبق على اللاجئين من دول أخرى، على الرغم من أن أعدادهم أقل، وأن تحالف يسار الوسط الحكومي يستغله لكسب المزيد من الأصوات.
ويواجه اللاجئون السوريون الذين رُفضت طلبات تجديد إقاماتهم، احتمال احتجازهم إلى أجل غير مسمى، في ظلّ غياب العلاقات الدبلوماسية بين الدنمارك والنظام السوري.
ومما يثير الاستهجان أنّ السلطات الدنماركية على دراية بأنّ الرجال السوريين معرضون لخطر التجنيد القسري، أو العقاب بسبب التهرب من التجنيد الإجباري في حال ترحيلهم، ما يدفعها إلى تطبيث سياستها الجديدة بشكل أكبر على النساء وكبار السن، والذين يشكلون النسبة الأعلى من المتضرّرين، ويواجه كثير منهم الانفصال عن عائلاتهم.
ونقلت "ذا غارديان" عن غالية، البالغة من العمر 27 سنة، أنها تشعر بقلق شديد منذ إلغاء إقامتها في مارس/آذار الماضي، مشيرة إلى أنها انضمت إلى والديها وإخوتها في الدنمارك في عام 2015، وهي الوحيدة التي تأثّرت من بين أفراد عائلتها.
ويقول المحامي في "جيرنيكا 37" كارل باكلي إنّ "أحد السبل العديدة المحتملة التي يمكن أن يلجأ إليها السوريون المتأثرون إذا استنفدوا إجراءات الاستئناف في الدنمارك، هو رفع قضية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في استراسبورغ".
ويلفت إلى أنّ المحكمة الأوروبية "تعتبر نظاماً بطيئاً، لكننا سنقدم طلباً إليها للنظر في التدابير المؤقتة التي قد تتضمن توجيه أمر للدنمارك بالتوقف عن إلغاء الإقامات حتى يتم البت في القضية".
وتأمل "جيرنيكا 37" ومجموعة من 150 شركة محاماة دنماركية تعمل في قضايا اللجوء، بألا يكون من الضروري مقاضاة الحكومة الدنماركية أمام المحكمة الأوروبية، في حال توقفها عن ترحيل اللاجئين.
بدوره، يقول محامي الهجرة في مدينة ألبورغ الدنماركية جينس راي أندرسن، لـ"ذا غارديان"، إنه يعتقد بأنّ "معدل إلغاء تصاريح الإقامة قد تباطأ نتيجة الانتقادات واسعة النطاق التي تواجهها الحكومة من قبل الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان".
ويشير إلى أنّ "الكثير من التغييرات طرأت على نظام اللجوء خلال العامين الماضيين، لكن من الواضح أنه لا يسير بشكل جيد، والخبراء الذين وضعوا التقرير الذي تستخدمه الحكومة لإظهار تحسّن الوضع الأمني في سورية، يقولون إنّه تمّ تفسير تقريرهم بطريقة خاطئة، وبالتالي لم يتبق أمام الحكومة سوى إعادة النظر في سياستها".
تجدر الإشارة إلى أنّه في عام 2018، ألغيت إقامات مئات الصوماليين في الدنمارك بموجب مخطط مماثل، ونال بعضهم حكماً قضائياً بإلغاء القرار، لكن وفقاً لمجلس اللاجئين الدنماركي، اضطر العديد منهم إلى مغادرة البلاد ليعيشوا بوضع غير قانوني في بلد آخر.