مع حلول سنة جديدة، يكرّر اللبنانيون آمالهم بولادة وطن يعيشون في كنفه بأمانٍ واستقرار، بعيداً من شبح الموت الذي يلاحقهم أينما حلّوا، وسط الشوارع المظلمة والحوادث المتنقلّة، وأضرار تنشّق الدخان السام الناجم عن مولّدات الكهرباء الخاصة، وأزمات غلاء الاستشفاء والدواء وسعر الرغيف مقابل الرواتب الزهيدة التي تحرمهم أدنى مقوّمات الحياة.
ببراءة وعفويّة، تسرد الطفلة كاتيا مطر أمنياتها للسنة الجديدة، قائلةً لـ"العربي الجديد": "أريد أولاً أن تتحسّن أحوال أبي، ونعيش بشكلٍ أفضل من العام الفائت. كما أدعو ألّا يكون هناك أيّ ولد جائع وأن يتمكّن جميع الأهالي من شراء احتياجات أطفالهم من طعام لذيذ وشوكولاته، وكلّ ما يتمنّونه".
ولا تنسى ابنة العشر سنوات التعبير عن رجائها بتبدّل أوضاع البلاد واستمرار العام الدراسي كي لا تُحرم مع أطفال لبنان من حقّها في التعلّم، وتردّد: "يا رب أرزق جميع الناس، وفرّح قلوب كلّ الأطفال كي يتوقّف رفاقنا في الصف عن النّظر إلينا، والقول: نيّالكم عم تاكلوا شوكولاته".
وبعباراتٍ حزينة، يختصر مواطن لبناني فضّل عدم كشف هويّته حسرته على فقدان شقيقه الذي أقدم على الانتحار منذ أشهر وجيزة، ويختزل بغصّة مرارة الأزمة المعيشيّة وضيق رقعة الأمل، فالسنة الجديدة بالنسبة له قاتمة كسابقاتها. أما جورج إسبر، الموظّف في أحد مستشفيات لبنان فيتمنى في حديثه لـ"العربي الجديد" "تحقيق النهوض الاقتصادي والاستقرار، واستعادة سعر الصرف الرسمي للدولار، رأفة باللبنانيّين الذين يقاسون الأمرّين، والعديد منهم يموت جوعاً. كما ننشد الهدوء والسلام، لا سيّما أنّ الوضع محتدم في المنطقة كلها، فلا نريد مزيداً من الدمار والحروب".
أيضاً تأمل الشاعرة والأديبة سوسن الرمّاح في أن يعمّ السلام الذي دعا إليه السيّد المسيح، وتقول لـ"العربي الجديد": "نتوق إلى استرجاع أحلامنا المسروقة وعزائمنا المهدودة، وإلى قيامة وطن الأرز، وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تليق بلبنان الذي كان يوماً يُدعى سويسرا الشرق". وتتطلّع إلى "فرجٍ يستحقّه هذا الشعب العاشق للحياة، رغم كلّ ما مرّ به من ويلاتٍ ومآسٍ".
ولعلّ في أمنية حسناء، وهي أم لثلاثة شبّان، خير دليل على حجم المأساة التي ترافق اللبنانيّين منذ العام 2019، والتي حرمتهم من بديهيّات الحياة الكريمة، قائلةً لـ"العربي الجديد": "نريد الكهرباء أولاً، فهي مطلب حيويّ لنا جميعاً، كما ننشد بلداً صالحاً للعيش، خالياً من الفساد ومن الطبقة السياسية الحاكمة التي أنهكتنا وقوّضت مستقبل أبنائنا".
وتتحسّر المعلّمة ربيعة ملاعب على ما بلغه لبنان من سخرية القدر، وتقول لـ"العربي الجديد": "لا يتعدى حلمنا أكثر من الأمل بتثبيت سعر صرف الدولار، وردع ارتفاعه الجنوني. وكأساتذة وموظّفي دولة أصبحنا نرجو الحصول على راتب شهريّ بقيمة 500 دولار كحدّ أدنى، بعدما كنّا نحلم بالحصول على 2000 و3000 دولار".
وتكتفي أمل بالقول: "أمنيتي أن أحصل مطلع العام 2023 على التأشيرة الأميركية لخمس سنوات، وهذه أمنية معظم اللبنانيّين. فهل يمكننا أن نتأمل خيراً في هذا البلد، وننتظر تحسّن الأوضاع بعد كلّ الظروف القاسية التي اختبرناها؟".
ويبقى رجاء الشابة الثلاثينية سارة، وهي موظّفة في أحد المصارف اللبنانيّة، أن تعيش وأهلها بأمانٍ، لأنها لا تحمل همّاً ولا تفكّر بشيخوخة مجهولة المصير، خصوصاً في بلد لا حياة فيه للصغار والشباب وكبار السنّ على حدّ سواء.
ولا تختلف أمنيات اللاجئ الفلسطيني في لبنان إبراهيم عيد (أبو أحمد) عن أحلام المواطنين، فهو يتمنّى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "يعمّ الأمن والأمان، وتستقرّ وتزدهر الأوضاع في لبنان كي يرتاح المواطن واللاجئ من الأعباء المالية والاقتصادية"، ويشكو من "انعدام فرص العمل، ومن معاناة العائلات الفقيرة التي باتت مسحوقة". ويختم متمنّياً "الخير والسعادة والفرج للشعب اللبناني والفلسطيني والسوري وكلّ الشعوب العربيّة".
أمّا الشاب بهاء حيدر، الخرّيج الجامعي الذي يعمل حالياً في تصفيف الشعر، فيأمل في حديثه لـ"لعربي الجديد" أن "يحمل العام الجديد كلّ الخير للبنان وشعبه فتتحسّن أحوال البلاد وتعود أيام زمان، فلا نرى المزيد من حالات الفقر والعوز. كما أنّني أرجو استعادة أموالي وجنى عمري على مدى 12 عاماً ونصف العام. لقد سرقت المصارف تعبي وتعب اللبنانيّين، وضاع مستقبلي وتأخّرت على سنّ الزواج". ويأسف لكون "المدخول اليوم يكفي بالكاد لتغطية تكاليف الطعام والبنزين وإيجار المحل والاشتراك بالمولّد الكهربائيّ الخاص. إنّنا نشقى من دون أيّ نتيجة، بأمل ألا نبلغ عمر الستين أو أكثر ونحن ننتظر حلحلة منشودة".
وفي سياقٍ متّصل، يبدي الأكاديميّ بيار شبيب امتعاضه من الواقع المريب الذي وصل إليه لبنان، قائلاً لـ"العربي الجديد": "الوضع الاقتصادي صعب جدّاً، فقد تراجعنا للخلف أكثر من 50 عاماً. وكلّ ما كنّا نتوق إليه من أمنيات ومخطّطات تدمّر بالفعل. كنّت أطمح إلى تحسين أحوالي، سواء لناحية تعليم ولديّ أو لناحية شراء منزل في العاصمة بيروت، غير أنّ أحلامنا تبخرت، وأصبحت صعبة المنال".
ويتمنى بيار شبيب، وهو والد شاب وشابة، أن يتمكّن من استكمال التحصيل الجامعي لولديه، مضيفاً: "ابنتي على أبواب المرحلة الجامعيّة، وهي الأولى في صفّها ومدرستها، وترغب في التخصّص بمجال الطب، لكنّنا ما زلنا نفكّر بكيفيّة تأمين القسط الجامعي وتحقيق أمنيتها". يضيف: "نتطلّع إلى النهوض الاقتصادي واستعادة لبنان لدوره في الدول العربية والمنطقة ككلّ، فيعود محطة ومقصداً للجميع، يأمل في انتخاب رئيس للجمهورية، وأن ترأف الطبقة الحاكمة بالشعب ويتحسّن الوضع العام، علماً أنّ تغييرها صعب بسبب الطائفية المستشرية في لبنان".