يعبّر تونسيون عن دعمهم للمهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء عبر حملات مساندة على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تعمل منظمات غير حكومية على إيواء العديد منهم إلى حين تسوية أوضاع إقاماتهم، أو المغادرة الطوعية نحو بلدانهم.
ويطالب نشطاء تونسيون مهتمون بملف الهجرة بوضع سياسات عامة تمنع جميع أشكال وممارسات التمييز، وتضمن مكافحة الصور النمطية ذات الطابع العنصري، ويرون أنه يتعيّن على السلطات، بالإضافة إلى وضع القوانين المناهضة للعنصرية، إقرار استراتيجية واضحة لنشر ثقافة حقوق الإنسان والمساواة والتسامح وقبول الآخر داخل المجتمع.
بدورها، تعتبر كريمة المثني (40 سنة) أن التونسيين من أكثر الشعوب تقبلاً للمهاجرين، مشيرة إلى أن البلاد شهدت خلال العقود الماضية مهاجرين من مالطا وإيطاليا وإسبانيا وتركيا وغيرها، وأن وجود مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء ليس بالأمر المستجد. وتقول المثني لـ"العربي الجديد": "تونس من أول البلدان الموقعة على الاتفاقيات الدولية الحامية لحقوق المهاجرين، وفكرة تقبل المهاجرين متأصلة في نفوس التونسيين الذين يحبون الاختلاف ويثمنونه".
وأرجعت ردة الفعل العنيفة من بعض التونسيين ضد مهاجرين أفارقة إلى "حملات التجييش العنصري ضدهم على شبكات التواصل، والتي تزامنت مع مرور البلاد بأزمة اقتصادية واجتماعية أثرت على نفسيات الجميع. التونسيون يعيشون وضعاً صعباً، وتنتاب الكثيرين حالة من القلق، وقد انعكس ذلك على سلوكهم تجاه المهاجرين، وحتى تجاه بعضهم البعض، فالسلوك العدواني يعكس القلق الاجتماعي الذي يمر به الناس".
وخلال فترة جائحة كورونا، عبّر التونسيون عن تضامن كبير مع المهاجرين من دول جنوب الصحراء، حيث تم تقديم مساعدات مالية وعينية لهم، كما عملت منظمات مدنية على إيجاد موارد لدفع إيجارات مساكن المهاجرين الذين فقدوا عملهم.
تقول المهاجرة الإيفوارية إيفيكا إنها تعمل مربية أطفال لدى أسرة تونسية منذ ثلاثة سنوات، وإن العائلة ترفض التخلي عنها رغم وضع إقامتها غير القانوني. وتؤكد لـ"العربي الجديد": "لم أجد سوى معاملة جيدة من العائلة طوال فترة عملي لديهم، ما جعلني أقرر الاستقرار في تونس، والعدول عن فكرة الهجرة إلى إيطاليا كما كنت أخطط سابقاً".
وتعمل المهاجرة الإيفوارية على الاستفادة من القرارات الأخيرة التي أعلنتها السلطات التونسية لتسوية وضعية إقامتها تجنّباً للتبعات القانونية التي قد تلاحقها.
أعلنت رئاسة الجمهورية التونسية، أخيراً، إجراءات خاصة بالمهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، من بينها تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة للطلبة من البلدان الأفريقية، وتمديد صلاحية الإقامة من ثلاثة إلى ستة أشهر، فضلاً عن تسهيل عمليات المغادرة الطوعية، وإعفاء المهاجرين غير القانونيين من دفع غرامات التأخر في مغادرة البلاد.
وأكدت السلطات أنها ستعمل على تعزيز الإحاطة، وتكثيف المساعدات الاجتماعية والصحية والنفسية للمهاجرين، إلى جانب الحد من استغلالهم من خلال تشديد حملات المراقبة.
وفي عام 2018، أقر البرلمان التونسي قانوناً يجرّم التمييز العنصري، وهو يعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام، وبغرامة مالية، أو بإحدى العقوبتين، كل من يرتكب التحريض على الكراهية والعنف، أو التفرقة والفصل والعزل، أو التهديد بذلك ضد شخص أو مجموعة أشخاص على أساس التمييز العنصري. ويهدف القانون إلى القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري حماية لكرامة الذات البشرية، وتحقيقاً للمساواة بين الأفراد في التمتع بالحقوق وأداء الواجبات وفقاً لأحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية.
تقول الطالبة فرح سليم (20 سنة) إنها كوّنت صداقات كثيرة مع طلبة من دول أفريقيا جنوب الصحراء، ما مكنها من الاطلاع على عادات بلدانهم وثقافاتهم. وتضيف لـ"العربي الجديد": "وجود طلبة من دول أفريقية عدة في الجامعة يفتح آفاقاً كثيرة للتونسيين لتطوير مشاريع مشتركة بعد التخرج. يمكن أن تكون دول أفريقيا جنوب الصحراء وجهة للعديد من التونسيين مستقبلاً، ولا سيما أنّ هذه البلدان تحقق نسب نمو عالية، وقادرة على استيعاب كفاءات من اختصاصات عدة، وقد ناقشت مع زملاء أفارقة تنظيم رحلات نحو بلدانهم في إطار أنشطة نوادي الجامعة".
أقر البرلمان التونسي في عام 2018 قانوناً يجرّم التمييز العنصري
بدوره، يقول عمر البرهومي (56 سنة) لـ"العربي الجديد" إنّ "الممارسات العنصرية ضد المهاجرين فردية، ولا يمكن اتهام عموم التونسيين بالعنصرية. الهجرة سواء كانت نظامية أو غير نظامية هي جزء من الحركة الطبيعية للبشر". وتؤكد الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي أن الشخصية التونسية تتسم بتقبل الآخر ما دام لا يمثل أي تهديد للمنظومة الاجتماعية والثقافية، أو يمس بثوابت العيش المشترك، وتضيف لـ"العربي الجديد" أن "التونسيين تعايشوا على مرّ العصور مع مهاجرين، والممارسات العنصرية فردية دائماً، ولا تعكس النهج العام للمجتمع التونسي. بعض هذه الممارسات تمت تغذيتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتزامنت مع حالة الخوف والقلق التي يعيشها التونسيون، ليتم افتراض مزاحمة المهاجرين للمواطنين على فرص العمل، ومن غير المنطقي أن يخشى تونسيون احتلال مهاجرين للفضاء العام، أو توقع أنهم يمثلون تهديداً".
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد طالب في خطاب له، في 21 فبراير/ شباط الماضي، باتخاذ "إجراءات عاجلة" لوقف تدفّق المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا جنوب الصحراء، مؤكّداً أنّ هذه الظاهرة تؤدّي إلى "عنف وجرائم"، وأنها جزء من "ترتيب إجرامي لتغيير التركيبة الديمغرافية" للبلاد.
وقوبلت تصريحات سعيّد بتنديد واسع من منظمات دولية ومحلية، اعتبرتها تصريحات عنصرية وتدعو إلى الكراهية. غير أن رئيس غينيا بيساو، الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، عمر سيسوكو امبالو، اعتبر أن تصريحات سعيّد "أسيء تأويلها"، وقال مساء الأربعاء الماضي إنه "بعد محادثة جمعتني بسعيّد، يمكنني أن أؤكد أنّ تونس بلاد ترحب بالأفارقة. سأبلغ نظرائي رؤساء البلدان الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أنّه أسيء فهم تصريحاته. لطالما كانت تونس بلداً يرحّب بالأفارقة، والعديد من الطلبة من بلدان جنوب الصحراء يحصلون على منح تونسية لمتابعة دراستهم الجامعية".