منذ الستينيات، جرى بناء آلاف المنازل ومئات الأحياء السكنية على أراضٍ مملوكة للدولة التونسية، والتي لا تستطيع اليوم طرد السكان لاسترجاع ممتلكاتها.
لم تكن السلطات التونسية تملك جرداً مفصلاً بأملاكها أو مساحة أراضيها وتوزيعها الجغرافي، أو نوعها، سواء كانت فلاحية أو عقارية، لكنّ وزارة أملاك الدولة أطلقت قبل أربع سنوات، عملية تدقيق في الممتلكات بجميع المحافظات، لتسترجع آلاف العقارات والأراضي الفلاحية.
وتسعى وزارة أملاك الدولة إلى حل تلك الإشكاليات بطريقة قانونية، عبر تمكين البلديات من تفويض لبيع تلك العقارات للمواطنين بأسعار رمزية مراعاة لحالاتهم الاجتماعية.
طرحت عملية الجرد إشكاليات حول كيفية تدخّل الدولة بطريقة قانونية من دون الإضرار بالساكنين، فقد أكدت الوزارة الوصية أنه صدر في 2018 أمر حكومي (عدد 504 لسنة 2018) لضبط صيغ وشروط تسوية وضعيات التجمعات السكنية القديمة المقامة على ملك الدولة الخاص من قبل سنة 2000، يرخص تسوية وضعيات المباني ذات الطابع السكني المقامة بحسن نية، والتي تتلاءم صبغتها مع التسوية المزمع إنجازها، في حين يستثنى من الانتفاع بأحكام هذا الأمر الحكومي الأشخاص الحائزون على عقارات بيضاء.
ونصّ الفصل الثالث من الأمر الحكومي على أنه "يعدّ حسن النية وفق الأمر الحكومي كل المقيمين بتجمعات سكنية على أجزاء من الأراضي الفاقدة للصبغة الفلاحية، والتي لا تزال على ملك الدولة الخاص، والمتمثلة في أراضي الأوقاف، وأراضي السيالين، والعقارات المشمولة بأحكام الأمر المتعلق بالتقاسيم الريفية القديمة، والعقارات المشمولة بأحكام قانون ضبط كيفية التفويت في الأراضي ذات الصبغة الفلاحية، أو المقيمين بمقتضى قرارات إدارية صادرة عن السلطة المركزية والجهوية".
وعلى مدار السنوات الأخيرة، حلّت مشاكل بعض الأحياء، وجرى تمكين مواطنين من شهادات ملكية بعد بيعها لهم بسعر رمزي بسيط.
وأكد المدير العام لتسوية وضعيات التجمعات السكنية القديمة المقامة على ملك الدولة الخاص، واصل غربية، لـ"العربي الجديد"، أن "وزارة أملاك الدولة تقوم بالفعل بالتدقيق عبر جرد مفصل لتحديد خريطة دقيقة بكل الأراضي والعقارات المملوكة للدولة في كامل الجمهورية، وعملية التدقيق كشفت أن هناك العديد من التجمعات السكنية التي شيدت في أغلب المحافظات، وبعضها منذ أكثر من خمسين سنة، كما كشفت أن العدد يشمل أكثر من 100 ألف مسكن يؤوي قرابة نصف مليون مواطن في جميع الجهات، والوزارة معنية بتسوية وضعيتها، ولكن لا يشمل الأمر تسوية وضعية المباني التي شيدت منذ سنة 2010، أي بعد الثورة التي شهدت انفلاتا أمنياً كبيراً مكن العديد من الناس من حيازة ملك الدولة من دون وجه حق".
وأكد غربية أنه "سبق تمكين آلاف المواطنين من أراضي الدولة لبناء مساكن، لكن من دون وثائق قانونية أو تراخيص مكتوبة. الأمر الذي خلق إشكالا كبيرا تواجهه السلطات حالياً، وهناك العديد من الأراضي التي منحت سابقا في إطار إطلاق مشاريع فلاحية، لكن تم بناء مساكن عليها بطرق غير قانونية، وقد قررّت الدولة بعد صدور الأمر الحكومي في 2018، تسوية وضعية السكان بتمكينهم من شهادات ملكية بأثمان رمزية تتراوح بين دولار ونصف و9 دولارات، وأبرمت الوزارة مع ديوان قياس الأراضي حوالي 250 عقداً، وشرع الديوان في استخراج القطع الخاصة بـ91 تجمعا كدفعة أولى، وهي تضم نحو 13100 مسكن".
وعلى الرغم من تأكيد الوزارة أنّها تقوم بتسوية الوضعيات تدريجياً، إلا أنّ آلاف العائلات تندّد بالنسق البطيء لتمكينهم من شهادات ملكية تمكنّهم من التصرّف في مساكنهم، سواء بيعها أو ترميمها، أو الحصول على قروض من البنوك للقيام بإصلاح بيوتهم التي بات بعضها متداعياً بسبب عدم قدرتهم على القيام بأية إصلاحات مخافة هدمها من قبل الدولة.
يعيش عصام الغالي في مسكن مشيّد على أراض تابعة للدولة بمنطقة أوتيك بمحافظة بنزرت، وهو ينتظر كغيره من سكان المنطقة تسوية وضعية مساكنهم، مؤكدا أن "الغالبية عائلات محدودة الدخل، ولا يمكنهم دفع المبالغ التي طلبت لتسوية وضعية مساكنهم ومنحهم شهادات ملكية، فيما يصرف كثيرون كلّ مدخراتهم لإصلاح البيوت المتداعية. طُلب مني دفع قرابة 6 آلاف دولار لتسوية وضعية بيتي، ولا أستطيع دفع ذلك المبلغ".
وأضاف لـ"العربي الجديد"، أنّ "التسوية ستمكننا من الحصول على قروض لإصلاح تلك البيوت التي شيدت منذ سبعينيات القرن الماضي، كما أنّ تسوية وضعية الحي تمكننا من الانتفاع بتجهيز المنطقة بالمرافق العامة الضرورية من قبل البلديات، إضافة إلى الانتفاع بخدمات وسائل النقل العام".
ونظمت آلاف العائلات وقفات احتجاجية أمام البلديات لمطالبة السلطات بتسوية وضعية مساكنهم التي توارثتها جيلاً بعد جيل من دون الحصول على أية وثائق أو شهادات ملكية.