استمع إلى الملخص
- انتقد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مذكرة التفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي، معتبراً أنها تعمق أزمة الهجرة وتزيد معاناة السكان والمهاجرين، مطالباً بإيقاف التعاون غير العادل.
- أصبحت تونس نقطة عبور رئيسية للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء نحو أوروبا، مع توقعات باستمرار هذا الوضع بسبب الأزمات في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.
يعود ملف مهاجري منطقتي جبنيانة والعامرة وسط شرق تونس إلى الواجهة، مجدداً، مع بدء موسم قطف الزيتون الذي يعدّ من أهم المواسم الزراعية في المنطقة، إذ جدّد الأهالي احتجاجاتهم مطالبين بإيجاد حلول جذرية لإيواء المهاجرين الموجودين في الحقول بعد أن دفعت بهم السلطات إلى المنطقة منذ أكثر من سنة.
وارتفعت وتيرة الاحتقان خلال اليومين الماضيين في المنطقة (محافظة صفاقس وسط شرق البلاد)، إذ نظم عدد من الأهالي وقفة احتجاجية أمام مقر المعتمدية، مطالبين بتحرك جاد من السلطات بعد أن تعذر على عدد من مالكي حقول الزيتون جني المحاصيل. وتعد مناطق العامرة وجبنيانة التي يوجد فيها مهاجرون بكثافة من بين المناطق المهمة في إنتاج الزيتون بمحافظة صفاقس، إذ تمتد الغابات على مساحات واسعة ويشكل النشاط الزراعي مصدر رزق لآلاف الأسر.
ومنذ شهر سبتمبر/ أيلول 2023، اختارت سلطات تونس الدفع بأعداد من المهاجرين إلى الأرياف المحيطة بمنطقتي العامرة وجبنيانة بعد حملة إخلاء للساحات العامة نفذتها في قلب مدينة صفاقس. ويقول عضو الرابطة الجهوية لحقوق الإنسان بصفاقس حمّة حمادي إنّ "وجود ما بين 30 ألفاً و35 ألف مهاجر في محيط حقول الزيتون في منطقتي العامرة وبجبنيانة، التي لا يتجاوز عدد سكانهما 75 ألفا، جعل جني الزيتون من قبل أصحاب الغابات أمرا صعبا وأدى إلى تصاعد حالة الاحتقان من الطرفين.
وأكد حمادي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "الدفع بالمهاجرين نحو غابات الزيتون في المنطقة كان خيار السلطة التي كانت تبحث عن حلول لأزمة وجودهم في الساحات العامة في مدينة صفاقس، غير أن هذا الاختيار تسبب في أزمات جديدة". وأفاد أن "وضع الأهالي في جبنيانة سيئ بسبب حالة الاحتقان التي تسود المنطقة وتعذر جني المحاصيل في عدة مناطق، إلى جانب تلف العديد من المساحات وتخريب الأغصان التي استعملت حطباً للطبخ والتدفئة وبناء المخيمات". وتابع: "موسم جني الزيتون من المواسم الزراعية المهمة في المنطقة وهي مصدر رزق وحيد لآلاف الأسر، غير أن هذا الرزق بات مهددا في غياب معالجة جذرية لأزمة المهاجرين في المنطقة".
والاثنين الماضي، أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بياناً انتقد فيه تداعيات مذكرة التفاهم التي وقعتها تونس مع الاتحاد الأوروبي بشأن ملف الهجرة. واعتبر المنتدى أن مذكرة التفاهم نجحت في نقل أزمة الهجرة من الحدود الجنوبية لأوروبا إلى تونس، وخاصة منطقتي العامرة وجبنيانة من محافظة صفاقس، وتعميق معاناة السكان والمهاجرين على حد سواء.
وقال بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "السكان يتحملون تبعات إخفاق شامل في إدارة ملف المهاجرين في المنطقة، بينما يدفع الاتحاد الأوروبي نحو مزيد من تأزيم الأوضاع بتأبيد الأزمة في تونس". وأكد أن "الاتحاد الأوروبي شريك في الممارسات ضد المهاجرين وهو فاعل رئيسي في الانتهاكات التي حصلت لمهاجري دول أفريقيا جنوب الصحراء عبر الصد بالقوة والطرد نحو الحدود". وتطالب منظمات مدنية بإيقاف العمل بمذكرة التفاهم مع الاتحاد الأوروبي وكل مسارات التعاون غير العادلة في مجال الهجرة مع الاتحاد الأوروبي ودوله. وفي يوليو/تموز 2023، وقّعت تونس والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة استراتيجية وشاملة" في التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة ومكافحة الهجرة غير النظامية. ويتضمن الاتفاق تقديم مساعدة لتونس بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، إضافة إلى 150 مليون يورو لدعم الميزانية.
وتقع تونس في صلب تحوّل كبير يطرأ على مشهد الهجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، فقد أصبحت نقطة عبور رئيسة للمهاجرين وطالبي اللجوء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا سيما من السودان وتشاد وغينيا ومالي وساحل العاج وغيرها، بهدف الوصول إلى أوروبا. واستبعدت دراسة، صدرت بداية الشهر الجاري عن مركز "مالكوم كارنيغي للشرق الأوسط " تحت عنوان " تحوّل تونس إلى مركز عبور: الهجرة السرية ومعضلة السياسات"، أن يطرأ أي تغيير على ملف الهجرة في المستقبل القريب، ذلك أن التقلّبات السياسية في دول ما يُسمّى "حزام الانقلابات" في أفريقيا يقوّض أكثر الأنظمة في جميع أنحاء منطقة الساحل وغرب أفريقيا، التي كانت تعمل بشكلٍ سيّئٍ أصلًا، ويزيد في تدفقات المهاجرين الفارين من الحروب". وقالت الدراسة إنه "على الأرجح أن تبقى تونس نقطةً أساسيةً للهجرة والعبور في السنوات المقبلة.