مع تفشّي فيروس كورونا الجديد في تونس والإغلاق والحجر الشاملَين، نشطت بشكل أكبر خدمات التوصيل. وقد أتى ذلك خصوصاً من خلال دراجات نارية.
يجد شبّان تونسيون في الدراجات النارية مصدراً للكسب ومقاومة البطالة بعدما ساهمت أزمة كورونا في دعم خدمات التوصيل وظهور شركات صغرى ومتوسطة تنشط في هذا القطاع. وصارت تبرز "موتوسيكلات" التوصيل لافتة في المشهد المروري اليومي في تونس العاصمة وفي المدن الكبرى، في حين ما زالت مثل تلك الخدمات ضعيفة في الداخل التونسي الذي يعتمد أكثر على المباشر. وخدمات التوصيل ثقافة جديدة بين التونسيين في الحواضر الكبرى، وقد تزايدت الحاجة إليها في فترات الحجر الصحي الشامل التي شهدتها البلاد منذ مارس/ آذار 2020، الأمر الذي يزيد إقبال الشبّان على العمل في هذا القطاع. ويُجمع شبّان التقتهم "العربي الجديد" على أنّ خدمات التوصيل عبر الدراجات النارية تنتشل كثيرين منهم من البطالة وتفتح لهم مجال العمل وتساعدهم في نسج شبكة علاقات كبيرة في المجتمع، على الرغم من صعوبات تعرضهم بسبب غياب التأمين من مخاطر الطرقات وغياب الأطر القانونية التي تسمح لهم بالانتساب إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومصلحة الضرائب.
أحمد دغمان (32 عاماً) واحد من هؤلاء الشبّان، وبعدما كان ركوب الدراجة النارية الذي كان هواية مفضلة بالنسبة إليه تحوّل إلى مصدره الوحيد للكسب. يقول دغمان لـ"العربي الجديد": "التحقت بهذا المجال في يناير/ كانون الثاني الماضي بعدما لفت انتباهي مدى تطوّر هذه الخدمة وزيادة الحاجة إليها مذ بدأت الأزمة الصحية الأخيرة. وأنا لم أفكّر طويلاً بالأمر وقرّرت الالتحاق بهذا المجال بعد التعاقد مع شركة ناشئة طوّرت تطبيقاً إلكترونياً لتلقّي طلبات التوصيل لقاء بدل شهري قدره 72 ديناراً تونسياً (نحو 25 دولاراً أميركياً) في مقابل ربطي بالزبائن".
ويؤكّد دغمان أنّ "خدمة التوصيل بواسطة الدراجات النارية قد تفتح أمام شبّان عاطلين من العمل مصادر رزق. بالنسبة إليّ، هي توفّر دخلاً يومياً محترماً وتمكّنني من سداد أقساط شهرية بقيمة 300 دينار (نحو 110 دولارات) لسداد القرض المصرفي الذي حصلت عليه لشراء الدراجة". ويرى دغمان أنّ "الأمانة والثقة وسرعة الاستجابة لطلبات الزبائن شروط أساسية للنجاح في هذه المهنة التي أنوي تطويرها مستقبلاً من خلال إنشاء شركة صغرى وشراء عدد من الدراجات النارية لتوفير عمل لشبّان آخرين يعانون البطالة".
خطّة دغمان لتطوير وضعه وعمله الجديد تشمل كذلك الاستفادة من قانون المبادرات الخاصة الذي يناقشه البرلمان التونسي، الذي سوف يسمح بحسب دغمان بـ"تسوية وضعي مع مصلحة الضرائب وانتسابي إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وحصولي على بطاقة تأمين على الصحة". ويطالب السلطات بـ"تسهيل الإجراءات أمام العاملين في هذا القطاع والاستفادة من إمكانيات تطوّره السريعة".
وعلى الرغم من تخفيف القيود الخاصة بتفشي الوباء، تبدو حركة الدراجات النارية نشطة على طرقات العاصمة والمدن الكبرى. وتعمل تلك الآليات المحملة بصناديق صغيرة لنقل مختلف أنواع السلع والأطعمة، حتى ساعات متأخرة من الليل. وكانت السلطات قد سمحت لها بمواصلة العمل بعد موعد حظر التجوّل ليلاً. بلال الكلاعي (24 عاماً) من العاملين كذلك في هذا المجال، يحكي لـ"العربي الجديد" عن صعوبات عمل الشبّان في خدمات التوصيل بواسطة الدراجات النارية. فيقول إنّهم بمعظمهم يشتغلون من دون عقود عمل أو تأمين يحفظ حقوقهم في حال التعرّض إلى حوادث مرورية، شارحاً "نحن نعمل من دون حدّ الأدنى من الضمانات"، فالشركات المشغّلة لا توفر وسائل ومستلزمات الحماية من قبيل الخوذات وغيرها.
يضيف الكلاعي الذي يعمل في مجال التوصيل من خلال الدراجات النارية منذ ثلاثة أعوام، أنّ "شغلي يوفّر لي دخلاً ويحميني من البطالة والضيق المالي، لكنّني في المقابل غير محميّ اجتماعياً ولا مهنياً. فالشركات لا تبرم عقوداً مع سائقي الدراجات ولا يؤمّنهم في وجه حوادث الطرقات وغيرها من المخاطر التي قد تعترضهم". ويشير الكلاعي إلى أنّ "زميلاً لي توفي في العام الماضي في أثناء حادثة سير وسط العاصمة، بعدما اصطدمت دراجته بعربة مخالفة، وقد تنصّلت الشركة المشغلة من مسؤوليتها". ويطالب الكلاعي بـ"تقنين هذه المهنة من خلال دفتر شروط يلزم الشركات المشغلة أو الأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص بالالتزام بوسائل الوقاية عند القيادة وتأمين الدراجات، الأمر الذي يسمح بتطوير هذا النشاط على غرار ما هو معمول به في الدول المتطورة التي نجحت في تحويل قطاع التوصيل من خلال الدراجات النارية إلى نشاط اقتصادي ذي قيمة مضافة عالية".