تونس: الشباب في الأحياء الشعبية أسرى بيئتهم إذا لم يتحقق حلم الهجرة

05 ديسمبر 2024
في أحد مقاهي توزر، وسط تونس، 28 أكتوبر 2024 (دومينيكا زارزيكا/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه الشباب في الأحياء الشعبية بتونس تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، مع ارتفاع معدلات البطالة وعدم الاستقرار الوظيفي، مما يدفعهم للتفكير في الهجرة كحل للارتقاء الاجتماعي.
- كشفت الدراسة أن 38% من شباب حيّ الكرم يفكرون في الهجرة غير النظامية بسبب الإحباط وتكلفة الهجرة النظامية المرتفعة، مع ضعف فرص الحصول على عقود عمل رسمية وتغطية اجتماعية.
- يعيش الشباب في "سجن مزدوج" جغرافياً واجتماعياً، حيث يفتقرون إلى الرأسمال الاجتماعي والثقافي، مع رغبة 67% في الانتقال لأحياء أكثر رقياً.

أظهرت دراسة اجتماعية ميدانية أُجريت في حيَّين شعبيَّين في تونس أنّ سكّانهما من الشباب غير قادرين على تحريك الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي تتحوّل الهجرة النظامية، كما غير النظامية، إلى الحلّ الأنسب من أجل تحقيق الارتقاء الاجتماعي، فيما تتحوّل البطالة إلى واقع جماعي بالنسبة إلى آخرين.

وأوضحت الدراسة التي أتت تحت عنوان "الشباب التونسي بين الإدماج والإقصاء: النفاذ إلى الحقوق والعلاقة بالقوانين" والتي أعلنت المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية عن نتائجها، أمس الأربعاء، أنّ عدم القدرة على النفاذ إلى الحقوق وضعف الاستقرار الوظيفي من أبرز دوافع التفكير في الهجرة، وبنوعها الأشدّ حساسية أي الهجرة غير النظامية التي تعرّض من يخوضها لمخاطر كثيرة تصل إلى حدّ الموت.

وتناولت الدراسة الوضع المعيشي والاجتماعي لعيّنة من 500 شاب في حيّ النور بمحافظة صفاقس (جنوب شرق تونس) وحيّ الكرم الغربي في ضواحي العاصمة تونس. وكشف الاستطلاع، الذي أُجري في البحث الميداني في إطار الدراسة، أنّ نسبة التفكير في الهجرة غير النظامية تزيد عن 38% في صفوف شباب حيّ الكرم، بسبب الشعور بالإحباط وتكلفة الهجرة النظامية المرتفعة. وبالتالي يلجأ هؤلاء إلى خيارات هجرة أكثر خطورة.

وتشير بيانات الدراسة إلى أنّ النسبة المرتفعة للانخراط في سوق العمل لدى شباب المنطقتَين المذكورتَين لا تضمن لهم بالضرورة تحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، إذ تظلّ نسبة الذين يحظون بعقود عمل رسمية وتغطية صحية واجتماعية ضعيفة في كلا الحيَّين. ونتيجة عدم قدرة الشباب في مثل هذه الأحياء على الوصول إلى مرحلة التعليم الجامعي، فإنّ الأجيال فيها تتوارث مستوى تعليمياً لا يتجاوز المرحلة الثانوية، إذ يشترك الشباب مع آبائهم في الاقتصار على مكاسب تعليمة متوسّطة.

إلى جانب الصعوبات التي تواجه تأمين استقرار وظيفي، كشفت الدراسة مواطن ضعف في الوعي بالحقوق والالتزامات القانونية لدى شباب الأحياء المهمّشة، الأمر الذي يزيد من إقصائهم في ما يتعلّق بالنفاذ إلى الحقوق، ويحدّ من قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم بطريقة فعّالة في حال انتهاك حقوقهم، وهو ما يعمّق الفوارق الاجتماعية بينهم وبين شباب الأحياء الأكثر رفاهية.

في هذا الإطار، قال الباحث أمين الحسيني الذي ساهم في إعداد دراسة "الشباب التونسي بين الإدماج والإقصاء: النفاذ إلى الحقوق والعلاقة بالقوانين" إنّ من أبرز النقاط التي تركّز عليها العمل "ارتفاع نسبة البطالة في صفوف من تتراوح أعمارهم بين 20 عاماً و34". وبيّن لـ"العربي الجديد" أنّ النسبة في حيّ الكرم الغربي تصل إلى 29.51% بين الذكور و22.66% بين الإناث.

وأوضح الحسيني أنّ "معدّل البطالة العالي وعدم الاستقرار في الوظائف يصاحبان في الغالب اعتماد الشباب في هذه الأحياء على عائلتهم وتأخّر تأسيس أسر خاصة بهم"، مشيراً إلى أنّ "نسبة 19.6% من الشباب تستفيد من عقود عمل، في حين تتراجع نسبة الذين يحصلون على تغطية اجتماعية إلى 10.8%". وأضاف أنّ "فريق العمل توصّل، من خلال البحث الميداني، إلى أنّ هؤلاء الشباب لا يحقّقون تطلعاتهم من عملهم، الأمر الذي يحدّ من قدراتهم على تطوير ذواتهم".

من جهة أخرى، تظهر الدراسة، بحسب الباحث التونسي نفسه، أنّ البطالة تحوّلت إلى خيار جماعي بالنسبة إلى أعداد من الشباب الذين يرفضون القبول بعمل في ظروف لا تلبّي احتياجاتهم. وتصل نسبة هؤلاء في خارج سوق العمل والمؤسسات التعليمية والتدريب المهني إلى 9% بين الشباب المستجوَبين في الحيَّين المذكورَين.

وفي غياب القدرة على تحقيق حلم الهجرة، تكشف بيانات دراسة "الشباب التونسي بين الإدماج والإقصاء: النفاذ إلى الحقوق والعلاقة بالقوانين"، التي أعلنت نتائجها المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية، عن رغبة قوية لدى الشباب في الانتقال للعيش في أحياء أكثر رقياً تصل نسبتها إلى 67% من إجمالي العيّنة، علماً أنّ النسبة بين الإناث تصل إلى 72%.

وخلصت الدراسة إلى أن الشباب القاطنين في الأحياء الشعبية يعيشون في "داخل سجن مزدوج ليس فقط جغرافياً بل كذلك اجتماعياً". وأوضحت أنّ المكان الذي يعيشون فيه ليس فقط ما يقيّدهم، إنّما كذلك ما يرمز إليه، أي الانتماء إلى طبقة اجتماعية مهمّشة. وما يزيد الإحساس بالتهميش لدى هؤلاء الذين لا يملكون رأسمال اجتماعي ولا ثقافي ولا اقتصادي، أنّهم يصيرون في "عزلة إجبارية"، وبالتالي "أسرى بيئتهم".

المساهمون