تتكرّر معاناة أهالي أرياف تونس في كل شتاء بسبب البرد القارس وقلة توفر تجهيزات التدفئة وصعوبة التنقل بسبب الطرقات الوعرة.
يرتدي علي الفازعي (54 عاماً) القشابية (لباس تقليدي من الوبر والصوف الخالص) منذ بدء فصل الشتاء، جراء البرد القارس. كما ينتعل حذاء بلاستيكياً هو الذي يقطع يومياً قرابة ثلاثة كيلومترات سيراً على الأقدام في الغابات، متنقلاً من دواره إلى الطريق الرئيسي ليستقل إحدى وسائل النقل للوصول إلى مكان عمله في القرى الزراعية في المناطق المجاورة لعين دراهم بمحافظة جندوبة.
يقول إنّ البرد شديد جداً في هذه الفترة، وخصوصاً في تلك المنطقة، ولا يقاوم سكان الأرياف البرد سوى بلباس الصوف كالبرنص والقشابية والشاشية، كونها ملابس خشنة تدفئ أجسادهم. يعمل الفازعي في جني الزيتون والثمار والزراعة بشكل عام، ويعيش في أحد مرتفعات منطقة عين دراهم بمحافظة جندوبة في الشمال الغربي، التي تعد من بين أكثر الأماكن برداً في فصل الشتاء. يشير إلى أنّ فصل الشتاء هو فصل الخير، لكنه أيضاً فصل معاناة سكان القرى والأرياف التي تغيب فيها كل مقومات الحياة. يعيش الأهالي في منازل بسيطة جداً بالكاد تقيهم برد الشتاء، وبعضها مسقوف بخشب الأشجار. ولولا التعويل على التدفئة بالحطب كل شتاء، لما استطاعوا تحمل قسوة الطقس. فالحطب يبقى ملجأهم في ظل غلاء أسعار المحروقات وفقدانها أحياناً.
يضيف الفازعي: "بعض الأمور تبدو بسيطة وسهلة المنال لدى كثيرين، لكن الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة لنا بسبب قسوة البرد في هذه المنطقة. كانت العديد من الجمعيات والمنظمات تزور بعض المناطق في هذه الجهة لتقديم المساعدات، منها بعض الأثاث ووسائل التدفئة والأدوية، لكنها غابت خلال السنوات الأخيرة".
ويُضاعف فصل الشتاء في تلك الجهة وغيرها من الأرياف عزلة ومعاناة السكان والعمال والتلاميذ هناك، وخصوصاً ممن يسكنون في المناطق الجبلية ذات المسالك الوعرة التي تزداد صعوبة وخطراً خلال تساقط الأمطار والثلوج، وتصبح أكثر انزلاقاً بسبب الطين والوحل، لا سيما أنّ غالبية السكان في الأرياف يعانون بسبب عدم توفر المواصلات أو عدم قدرتها إن توفرت على الصعود إلى المرتفعات والسير بسبب الطرقات الوعرة.
ولا تزال العديد من الأرياف في محافظات عدة، لا سيما في الشمال والشمال الغربي، تُعاني بسبب الطرقات الوعرة خلال فصل الشتاء، ما يؤدي إلى معاناة المواطنين والتلاميذ على حد سواء. فمع تراكم الأوحال وانجراف التربة، تنعزل بعض البيوت في الأرياف وتتعمق مأساة سكانها. ويضطرون للتنقل على الدواب. كما ينقطع العديد من التلاميذ عن الدراسة لأيام عدة خلال فصل الشتاء، وخصوصاً خلال تساقط الأمطار جراء تراكم الأوحال وصعوبة التنقل في الطرقات الوعرة، التي تصبح أكثر خطورة خلال سوء الأحوال الجوية.
تقول فاطمة حفصي، إحدى سكان منطقة سجنان بمحافظة بنزرت شمالي البلاد، إنّ "ساعات الصباح الأولى تكون أكثر قساوة بسبب شدة البرد، وأبناؤنا مضطرون للذهاب إلى المدارس منذ الساعة السادسة ونصف صباحاً نظراً لبعد المسافة بين المنازل والمدرسة. ويتغيبون أحياناً بسبب الأمطار وصعوبة الخروج في تلك التضاريس الوعرة مع انعدام وسائل النقل". تضيف: "خلال ساعات الصباح الأولى، لا يخرج سوى العمال والفلاحين وبعض النساء اللواتي يذهبن لجلب المياه أو الاحتطاب أو البحث عن الطين في الجبال".
وتشير حفصي إلى "أنّ العديد من سكان الأرياف في الجهة يعيشون في بيوت جد بسيطة بالكاد تتحمل سوء الأحوال الجوية خلال فصل الشتاء، وبالكاد تقيهم البرد، خاصة في ظل فقدان قوارير الغاز في عدة فترات، لا سيما خلال سوء الأحوال الجوية، ما يجعلهم يضطرون إلى قطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام للبحث عن الحطب إن وجد بسبب احتراق الغابات، وحتى أسعار الفحم ارتفعت جداً خلال هذا العام". تضيف أنّ "سكان الجهة يواجهون مشكلة ركود العديد من الأعمال، سواء في قطاع البناء أو حتى الأعمال الزراعية، بسبب سوء الأحوال الجوية، إذ يصعب العمل في المزارع بسبب الوحل والأمطار، ولا يمكن القيام بأشغال البناء أيضاً. لذلك، يعد فصل الشتاء موسم ركود كبير بالنسبة للعديد من سكان الجهة، نظراً لانعدام فرص العمل في العديد من القطاعات".
وتشهد المناطق الريفية، وخصوصاً خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، موجة صقيع كبيرة تسجل فيها عدة مناطق تساقطاً للثلوج والبرد لأيام عدة، وتزيد معاناة سكانها بسبب صعوبة التنقل وتدهور البنية التحتية وبساطة منازلهم في المناطق المرتفعة".
من جهتها، تعمل رفيقة خلفاوي منذ أكثر من خمس سنوات في الأعمال الخيرية برفقة عدد من الشباب المتطوعين. وتتولى عادة، خلال فصل الشتاء، جمع المساعدات لسكان الأرياف ولمن هم أكثر حاجة للتدخلات والمساعدات. تقول رفيقة لـ"العربي الجديد" إنّ "العديد من الأسر التي تعيش في المناطق الريفية النائية تعاني أوضاعاً قاسية جداً، إذ تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة كوسائل التدفئة. ومع اشتداد حدة البرد، تتضاعف معاناتهم اليومية. إذ ليس بمقدورهم الحصول أحياناً على قوارير الغاز. كما تفتقر العديد من العائلات إلى الفراش والأغطية اللازمة. ولا تزال العديد من الأسر بحاجة إلى مساعدات من المنظمات والجمعيات لترميم بيوتها وتوفير بعض الأجهزة البسيطة فيها".