تنشط في تونس تجارة المراكب القديمة وغير الصالحة للاستعمال، وتشكل ركيزة تنفيذ رحلات الهجرة السرية في اتجاه "الجنة الأوروبية الموعودة"، ما يتسبب في غرقها وموت ركابها على بعد أميال قليلة من سواحل البلاد.
يعتمد منظمو هذه الرحلات عادة على مراكب وقوارب لا ترصدها شاشات رادار المراقبة، وتفتقر إلى سجلات لدى مصالح الموانئ والحرس البحري، وترصد في عرض البحر لدى تنفيذ عمليات اعتراض أو محاولات إنقاذ إذا تعطلت أو غرقت.
يقرّ الناطق باسم محاكم صفاقس، مراد التركي، في حديثه لـ"العربي الجديد" بوجود تجارة نشطة لـ "قوارب الموت" التي تقل المهاجرين رغم عدم قدرتها على الإبحار نتيجة قدمها أو وجود أضرار في هياكلها ومحركاتها. ويؤكد أن القوارب المتهالكة كانت وراء حادث حصل على ساحل مدينة صفاقس أخيراً، وراح ضحيته عشرات المهاجرين.
يقول التركي إن "شبكات الهجرة تقتني قوارب قديمة وغير صالحة للإبحار من أجل استعمالها في الرحلات غير النظامية. ويتم شراء هذه القوارب بطرق غير قانونية ولا تسجل في مصالح الأمن البحري، وهي غير مؤمنة. كما ينظم مهاجرون من دول جنوب الصحراء رحلات هجرة تنطلق من سواحل مدينة صفاقس، ويجمعون الأموال من الراغبين في ركوب البحر من أجل شراء القوارب وتجهيزها بالوقود وباقي مستلزمات الرحلات".
وأعلنت الأمم المتحدة أخيراً أن أكثر من 3000 لاجئ ومهاجر وطالب لجوء لقوا حتفهم أو فقدوا العام الماضي، أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا عبر البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، في حصيلة تعد ضعف تلك المسجّلة في العام السابق.
ويستقر المهاجرون الأفارقة غالباً في محيط الموانئ استعداداً للحظة الصفر لانطلاق القوارب نحو إيطاليا. لكن هذه الرحلات يمكن أن تنتهي بهم جثثاً طافية على سطح البحر أو أرقاماً في سجلات المفقودين.
ومن أجل جمع الأموال يؤكد التركي أن المهاجرين من دول جنوب الصحراء يعملون في ورش البناء وقطاع الزراعة أو يؤدون أشغالاً عامة، من أجل ادخار عائدات عملهم لتنفيذ رحلات الهجرة.
ورصدت بيانات 553 حالة بين قتيل ومفقود في صفوف المهاجرين هذه السنة. من جهتها، قالت الناطقة باسم مفوضية شؤون اللاجئين، شابيا مانتو، في مؤتمر صحافي عقدته في جنيف: "استناداً إلى الأرقام المسجّلة، أعلن وفاة أو فقدان أثر 1924 شخصاً وسط البحر المتوسط وغربه العام الماضي. وهذه الأرقام تمثل ما يقارب ضعف عدد الأرواح التي فقدت في عام 2020. وهي تتصاعد، ما يشكل ظاهرة مقلقة".
ويؤكد الناطق باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس، رمضان بن عمر، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "تجارة قوارب الموت أصبحت نشاطاً مزدهراً في المدن الممتدة على الساحل التونسي. وتدير شبكات مختلطة تضم مواطنين وأفارقة هذه التجارة".
يتابع: "يستخدم المهاجرون ومنظمو الرحلات قوارب مسروقة أحياناً، والتي لا تخضع بالطبع لأدنى شروط السلامة، ولا تتم صيانتها، ما يفسّر ارتفاع عدد مآسي قوارب الموت على امتداد الساحل الجنوبي للبحر المتوسط".
ويتحّدث رمضان بن عمر عن حادث غرق القوارب الأربعة في مدينة صفاقس أخيراً. ويشير إلى أن "المركبات البحرية التي استعملت كانت قديمة ومتهالكة وتحمل عدداً كبيراً من المهاجرين يفوق الحجم المحدد لحمولتها، ما يفسّر عطبها وغرقها على بعد ميلين أو ثلاثة أميال من الساحل التونسي".
ويتساءل عن مصير القوارب التي يحتجزها الحرس البحري أو بعد اعتراضها في البحر ومصادرتها، وتلك القادمة أيضاً من السواحل الليبية، ولا يستبعد إصلاحها وبيعها لتجار قوارب الهجرة. ويقول: "تقدّر القوارب المحتجزة أو تلك التي تعترض بالمئات، ويبقى مصيرها غامضاً ومجهولاً، ولا يتم إعدامها أو التخلص منها بطرق قانونية".
لكن أجهزة الأمن تؤكد بدورها أن عناصرها لا يغفلون عن مراقبة تجارة المراكب وورش صنعها، وتتحدث عن أنها أوقفت عام 2019 صاحب مصنع في مدينة المرسى على ساحل البحر المتوسط، ووجهت إليه تهمة صنع قوارب تستخدم في رحلات الهجرة السرّية التي ارتفعت في شكل كبير في الآونة الأخيرة. وأوضحت وزارة الداخلية حينها أن المصنع كان يجهّز قوارب تستخدم في رحلات الهجرة السرّية، وأنها حجزت مراكب غير مسجلة كان يستعد صاحب المصنع لبيعها قبل ضبطها.