لا يزال قرار وزارة التربية التونسية عزل خمسة مسؤولين بالمندوبية الجهوية للتربية، بمحافظة سيدي بوزيد، وإحالتهم على القضاء لثبوت تورطهم في التلاعب بملف التشغيل عن طريق تدليس شهادات علمية لعدد من الأساتذة والمعلمين، يثير الجدل.
وجاء هذا الإجراء الإداري من طرف الوزارة، والذي أعلن عنه وزير التربية فتحي السلاوتي أخيراً في تصريح إعلامي، بعد الكشف عن عملية تدليس شملت تشغيل أكثر من 100 معلم وأستاذ معاون بمحافظة سيدي بوزيد وهم من غير المستوفين لشروط ومعايير التشغيل.
ويقول رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ رضا الزهروني، في تصريح لـ"العربي الجديد": "إن ما حدث أخيراً بالمندوبية الجهوية بسيدي بوزيد يُعد فضيحة كبيرة في القطاع التربوي، وهو يدل على انعدام الحوكمة الرشيدة في كل مستوياتها، بدءاً بسلطة الإشراف مركزياً وجهوياً، ووصولاً إلى المؤسسات التربوية".
ويضيف الزهروني: "هناك تواطؤ من جميع الأطراف، وهذا يُعتبر ضرباً لمصداقية المنظومة التربوية ولمسار مستقبل بناتنا وأبنائنا، فكيف يُسمح لمعلمين ليست لديهم شهادات عليا بالتدريس؟ وكيف يمكن لجهاز تربوي بأكمله ألا يتفطن لعملية التدليس؟".
ويوضح أن "هذا يعني انعدام استراتيجية للتصرف في الموارد البشرية وفي الانتدابات، واللجوء لاختيار معلمين معاونين للتدريس بحجة عدم توفر الموارد المالية، هو في حد ذاته خيار خاطئ"، ويؤكد أن "الكشف عن حالات تزوير للشهادات العلمية كان من المفترض أن لا يحدث أبداً، لكن عدم وجود منظومة للمراقبة والتقييم من طرف كل المعنيين بالقطاع التربوي يؤدي حتماً إلى مثل هذه التجاوزات الخطيرة".
وأفاد بأنه "رغم كل هذه الهنات والتجاوزات التي يتمّ الكشف عنها من حين إلى آخر، فإننا لا نعلم إلى اليوم حجم هذه الإخلالات والخروقات، وما هي مستوياتها ومجالاتها، وهي مسألة تبعث على الخوف، باعتبار أنه في كل مرة يتم التركيز على الخبر في حد ذاته ومناقشته إعلامياً لفترة معينة، ثم يختفي ونترك جوهر الموضوع، وهو المرور إلى التفكير في إصلاح المنظومة التربوية".
ويقول الزهروني: "في كل مناسبة نطالب بضرورة التسريع بإحداث المجلس الأعلى للتربية والتعليم، باعتباره حجر الزاوية في كل ما يتعلق بحوكمة القطاع عموماً، فالخطوط العريضة والسياسات المحورية المتعلقة بالتربية والتعليم والتناغم بين القطاعات المعنية لا يتكفل بها إلا هذا المجلس، فالإصلاحات الكبرى والعميقة تتجاوز صلاحيات وزارة التربية والنقابات".
ويوضح أن "الإشكالية الجوهرية والبارزة اليوم في واقع التربية هي احتكار هذا الملف من طرف الوزارة والهياكل النقابية، والالتفاف عليه لتسوية ملفات مهنية بامتياز، ولم نشاهد أي إجراء من أجل إصلاح المنظومة، لا على المدى القريب ولا المتوسط ولا الطويل".
واعتبرت الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ أن "ما اقترفه هؤلاء المسؤولون يمثل جرماً في حق المجتمع والوطن، ويتجاوز أنواع الفساد المتعارف عليها، كإهدار المال العام، ليشمل فساداً أخطر لما يتسبب به من ضرر يستهدف مصداقية المنظومة التربوية من جهة، والمسار الدراسي للتلاميذ ومستقبلهم من جهة أخرى".