سجّلت منطقة "شط السلام" بمحافظة قابس، جنوب تونس، اليوم الجمعة، حالات اختناق في صفوف تلاميذ ومُدرسين، ما استوجب نقلهم بشكل عاجل إلى المستشفيات، وذلك عقب تسرب غازات سامة من مصانع المجمع الكيميائي القريب من المنطقة.
وقال مصدر طبي لـ"العربي الجديد" إنه "جرى نقل 16 شخصاً إلى الوحدات الصحية نتيجة اختناقهم بالغاز، من بينهم مُدرّستان ومدير المدرسة وما لا يقل عن 11 تلميذاً، إلى جانب تضرر مواطنين من استنشاق الغاز في منطقة شط السلام".
وأكد المصدر الطبي "جميعهم خضعوا للمراقبة الطبية وتم إسعافهم، كما غادر عدد منهم المستشفى بعد التأكد من تحسن وضعهم الصحي".
بدوره أفاد مسؤول من الدفاع المدني بمدينة قابس في تصريحات إعلامية بأنّ الاختناقات في صفوف التلاميذ كانت ناجمة عن تسرب ثاني أكسيد الكبريت منذ الساعة الخامسة صباحاً من مصنع الحامض الفسفوري، ما تسبب في صعوبة التنفس في صفوف عدد من طلاب المدرسة القريبة من المصنع. وأوضح أن هذا التسرب لم يتم التفطن إليه بعد عملية صيانة وإعادة تشغيل الخزانات والتي تتم كل مرة داخل المعمل.
ويشكّل المجمّع الكيميائي في مدينة قابس جنوب شرق تونس مصدر تلوث بيئي كبير في المنطقة، إذ قاد المجتمع المدني لسنوات طويلة حراكاً للمطالبة بنقل المصانع خارج المنطقة بعد أن تسببت الغازات المنبعثة منها في أضرار جسيمة للحياة البرية والبحرية، فضلاً عن تصاعد نسب الإصابة بالأمراض السرطانية في صفوف السكان.
ويقع المُجمّع الكيميائي في منطقة "شط السلام" التّي يقطنها نحو 18 ألف نسمة، وتبعد قرابة 4 كلم عن مدينة قابس مركز المحافظة، وتم إنشاؤه عام 1972 وبداخله وحدات لتصفية مادة الفوسفات وصناعات كيميائية مختلفة، إلى جانب أكبر مخازن الغاز الطبيعي.
ويوفّر موقع المجمع الكيميائي في قابس نحو 57 في المائة من الإنتاج الوطني لحمض الفسفور الذي يستخدم في الصناعات المعدنية، وتلك الخاصة بمواد التنظيف والأسمدة، وإنتاج المياه الغازية.
وفي مارس/ آذار الماضي، حذّرت حركة "ستوب بوليوشن" (أوقفوا التلوّث) من مخاطر انفجار مشابه لانفجار مرفأ بيروت في المجمع الكيميائي، بسبب غياب معايير السلامة داخل أكبر قطب الصناعات الكيميائية في البلاد.
وأعلنت الحركة حينها الانطلاق في سلسلة تحركات احتجاجية من أجل التعجيل بقرارات تفكيك الوحدات الملوثة للمجمع، وإعادة مسار التحقيق حول معايير السلامة صلب الوحدات الصناعية للأمونيا والزفت ومخازن الغاز الطبيعي.
وقال عضو حركة "كفى تلوثاً" خير الدين دبيّة إن "تسربات الغازات متوقعة نتيجة نقص في الصيانة في وحدات المجمع". وأكد دبيّة لـ"العربي الجديد" أن "حادث انفجار مصنع الزفت الذي جد في المنطقة قبل سنتين كان بمثابة جرس الإنذار لإعادة النظر في أجهزة السلامة داخل المجمع الذي يشهد تدهوراً في بنتيه التحتية التي تسبب الانبعاثات الغازية السامة.
ويطالب حراك "أوقفوا التلوث" منذ سنوات بتفعيل قرار حكومي صادر سنة 2017 بتفكيك وحدات صناعية ملوثة داخل المجمع الكيميائي بسبب الضرر الحاصل للبيئة والمواطنين في المحافظة.
ويعاني أهالي قابس منذ أكثر من 40 عاماً من مشكلات التلوث الناتج عن تسرب الغازات السامة للوحدات الكيميائية بالمجمع، إضافة إلى وجود إفرازات لمادة "الفوسفوجبس" التي يتم ضخها مباشرة في البحر المتوسط.
أعلنت الحكومة التونسية منذ عام 2017 التزامها التام بوقف سكب مادة الفسفوجبس في البحر، إضافة إلى العمل على تفكيك الوحدات الملوثة واستبدالها بأخرى تحترم المعايير الدولية في السلامة البيئية، ليتم تحويلها من المكان الحالي إلى مكان آخر يقع الاتفاق عليه لاحقاً.