يفتقد أبناء اللاجئين في تونس المساواة في الحصول على تعليم، رغم أن الدولة تلتزم رسمياً منح هذا الحق الذي تقره المواثيق الدولية وقوانين اللجوء، إذ تمنع عوامل اختلاف اللغة وغياب الوثائق الثبوتية دمجهم في التعليم الحكومي.
ويعتبر أطفال اللاجئين من الجنسيات الناطقة بالعربية أكثر حظاً في التعلم من أولئك من جنسيات تنطق بالفرنسية أو الإنكليزية الذين لا تستطيع المدارس الحكومية استيعابهم، علماً أنها تدمج فعلياً مئات من أبناء اللاجئين سنوياً بالتنسيق مع وزارة التربية، في محاولة لتسهيل اندماجهم في المجتمع والحدّ من نسبة التسرب المدرسي، خصوصاً لمن انقطعت سبل عائلاتهم بعدما غادرت أوطانها بحثاً عن الأمان من الحروب أو ظروف حياة أفضل.
تجتهد اللاجئة الغينية سيما كي تتعلّم اللغة العربية وتحسن قدرة ابنتها البالغة سبعة أعوام على الاندماج في المدرسة الابتدائية. وتقول لـ"العربي الجديد": عندما قدمت إلى تونس قبل 4 أعوام، كان همي الوحيد في بداية رحلة اللجوء ضمان لقمة العيش، ثم أيقنت عندما بلغت ابنتي سن الدراسة أنها غير قادرة على الالتحاق بالمدارس الحكومية بسبب اللغة، فأنا وزوجي نتكلم اللغة الفرنسية أو لغة المندنكا المحلية في غينيا".
تضيف: "بذلت مدرّسة ابنتي في روضة الأطفال مجهوداً كبيراً لمساعدتها في تعلم العربية كتابة ونطقاً، لكن هذا الأمر استغرق أكثر من سنتين، ما جعل ابنتي تلتحق بالمدرسة في سن الثامنة، أي بتأخير عامين عن السن القانونية للتعليم في تونس". لكن ذلك لا يمنع افتخار سيما بنجاح اندماج ابنتها في التعليم الحكومي، في حين تبدي حزنها لبقاء أبناء لاجئين ومهاجرين آخرين بلا علم.
ويقدر عدد تلاميذ مراحل التعليم الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية من أبناء اللاجئين في تونس بحوالى 335، غالبيتهم في المرحلة الابتدائية من الذين يتكلمون اللغة العربية، في حين يتلقى عدد قليل من التلاميذ الناطقين باللغتين الفرنسية والإنكليزية دروس دعم توفرها صفوف نموذجية مخصصة لغرض تسهيل اندماجهم في التعليم.
ولا ينكر رئيس المجلس التونسي للاجئين مصطفى الجمّالي وجود صعوبات في إلحاق أبناء اللاجئين بالمؤسسات التعليمية، رغم تفاعل السلطات التونسية ووزارة التربية الجيد مع الموضوع وبذلها جهوداً مهمة لتوفير مستلزماته. ويقول لـ"العربي الجديد": "تحترم الدولة التونسية القوانين الدولية الخاصة بحقوق تعليم أبناء اللاجئين وطالبي اللجوء، لكن الصعوبات التي تواجهها ترتبط بعوامل خارجية تشمل في الأساس اللغة وعدم امتلاك اللاجئين أوراقاً ثبوتية".
يضيف: "يقدم المجلس التونسي للاجئين باعتباره الراعي الأول لشؤون هذه الفئة منحاً مالية للعائلات التي تدرّس أبناءها، ويواكب إجراءات تسجيل التلاميذ التي قد تستغرق شهوراً أحياناً لأسباب لوجستية، ولوجود مشاكل تتعلق بعدم امتلاك اللاجئين أوراقاً ثبوتية. ونحن حريصون بالدرجة الأولى على انتشال أبناء اللاجئين من براثن الأمية، ونراقب نتائجهم المدرسية باستمرار، لكن لا يخفى أن بعض اللاجئين لا يهتمون بتعليم أبنائهم ويفضلون تشغيلهم في شبكات تسوّل تجلب لهم الأموال، ما يحرم القصّر من حق التعليم ويبقيهم بلا مؤهلات علمية أو تأهيل مناسب لحمايتهم من الفقر والعيش على هامش المجتمع في المستقبل".
ويعترف الجمّالي بأن "اللغة المختلفة تمنع تكافؤ فرص تعليم أبناء اللاجئين، لذا يواصل المجلس التفاوض مع السلطات التونسية من أجل إيجاد حلول لدمج التلاميذ الناطقين باللغتين الفرنسية والإنكليزية في المدارس الخاصة. وفي انتظار تبلور النتائج الإيجابية لهذه النقاشات، يحاول المجلس بالتعاون مع وزارة التربية التونسية توسيع تجارب الفصول النموذجية التي تقدم دروس دعم لهؤلاء التلاميذ".
ويؤكد أن المجلس "يشعر بفخر كبير عندما يتفوّق أبناء اللاجئين في تعليمهم، ويظهرون حسن اندماجهم في المجتمع الذي يحضنهم، وهي المهمة الأساسية التي نعمل لأجلها"
من جهتها، تتحدث اللاجئة السورية إخلاص الأسود بفخر عن تفوق ابنها رأفت البالغ 13 عاماً في صفه بالسنة الثانية من المرحلة الإعدادية. وتقول: "يحصل رأفت على علامات جيدة في مختلف المواد، وجعله تفوقه موضع تقدير من مدرسيه وأصدقائه، وسهّل اندماجه في المجتمع، علماً أنه التحق بمدرسة حكومية في سن السادسة".
وفيما يتمسك رأفت بمتابعة دراسته باجتهاد كبير، لكن المستقبل يبقى غامضاً بالنسبة إليه في ظل معاناة التونسيين أنفسهم من صعوبات في الحصول على وظائف، كما أن نيل عائلته مساعدة مالية شهرية قيمتها 300 دينار من المجلس التونسي للاجئين لا يكفي لتسديد الحد الأدنى من نفقاتها، علماً أنها تدفع أكثر من نصف هذا المبلغ لتعليم ابنها وتوفير دروس خصوصية له.
وتحدد الأرقام الرسمية لمفوضية شؤون اللاجئين عدد اللاجئين في تونس بأكثر من 9200، بينهم 3558 من شاطئ العاج التي يحتل مواطنوها المرتبة الأولى على صعيد عدد اللاجئين، ويأتي بعدهم السوريون بـ2453 لاجئاً.