يضع غلاء رسوم مؤسسات الطفولة المبكرة (رياض الأطفال) حواجز أمام الأسر التونسية محدودة الدخل التي لم تعد قادرة على تسجيل أطفالها في مؤسسات ما قبل الدراسة، ما يكرّس إقصاء أبناء نحو مليون أسرة فقيرة من المراحل المبكرة للمسار التعليمي. في السنوات الأخيرة، شهدت رسوم مؤسسات الطفولة المبكرة قفزات كبيرة فرضت أعباء مالية كبيرة على الأسر التي لم تملك إلا خيار قبول الأمر الواقع أو اللجوء إلى المؤسسات "العشوائية" الأقل سعراً، والتي تفتقر إلى شروط السلامة أو الحماية القانونية للأطفال من كل أشكال الاعتداءات التي قد يتعرضون لها.
وقد يؤخر ارتفاع رسوم الرياض القانونية اندماج الأطفال في مؤسسات التعليم المبكر، ما يخلق فارقاً كبيراً في تأسيس المهارات بينهم ورعايتهم، ما يؤثر على نتائجهم الدراسية اللاحقة.
تقول أمل التليلي (35 عاماً) التي تعمل في مصنع لـ"العربي الجديد": "أضع ابني البالغ 4 أعوام في روضة أطفال عشوائية تشرف عليها سيدة خمسينية ترعى خمسة أطفال أخرين في مقابل مبلغ 60 ديناراً (20.82 دولاراً) شهرياً، بسبب عدم قدرتي على دفع مبلغ 100 دينار (34.70 دولاراً) شهرياً في روضة قانونية". تضيف: "أصبحت رياض الأطفال العشوائية ملاذ النساء العاملات من الفئة ذات الدخل المحدود، لكنني أشعر بالذنب تجاه طفلي الذي لا يجد حظوظاً متكافئة مع باقي الأطفال من أبناء الأسر ذات الدخل المرتفع التي تودع أطفالها في رياض قانونية ومنظمة تلتزم تطبيق مناهج تعليم جيدة تدعم تجهيز الأطفال للمرحلة الدراسية".
وتنتقد أمل عدم تدخل سلطات الرقابة لكبح غلاء رسوم رياض الأطفال وتكييفها مداخيل الأسر، "ما يعني أن لا عدالة في التعليم والرعاية بين أبناء الأسر الفقيرة وتلك الميسورة". لكن وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن تؤكد أنها تعمل لضمان حق التعليم المبكر الجيد المتكافئ لأبناء العائلات الفقيرة والمعوزة عبر زيادة الاعتمادات الحكومية لدعم أبناء الفئات الهشة اجتماعياً. وتتحدث عن تخصيص اعتمادات إضافية في موازنة العام الحالي لتوفير مساعدات مالية لأسر لا قدرة لها على مواجهة هذا الكمّ من المصاريف. ويوضح المدير العام للطفولة في وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، شكري معتوق، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "موازنة العام الحالي تضمنت زيادة في اعتمادات برنامج دعم أبناء الأسر المعوزة التي تحددها لجان تدرس الملفات المقدمة".
يضيف: "سيرتفع هذا العام من 10 آلاف إلى 15 ألفاً عدد الأطفال المستفيدين من مجانية التعليم المبكر في الرياض الخاصة التي ستدفع الوزارة لها رسوماً قيمتها 6.5 ملايين دينار (2.08 مليون) مقارنة بـ 4.5 ملايين دينار (1.56 مليون دولار) سابقاً. وسيعزز ذلك فرص الأطفال المنتمين إلى عائلات محدودة الدخل في الاستعداد لمرحلة الدراسة بدرجة متساوية مع أبناء العائلات الميسورة، ويحد أيضاً من اللجوء إلى رياض الأطفال العشوائية التي تجري مكافحتها عبر إخضاعها لمراقبة مستمرة، وإغلاق تلك التي لا تستجيب للشروط الموضوعة".
وعن ارتفاع رسوم رياض الأطفال في بلد لا يتجاوز حد الأجر الأدنى فيه 460 ديناراً (159.63 دولاراً)، يقول معتوق: "جرى بحث الأسعار مع غرفة رياض الأطفال التي تمسكت بمبدأ السعر الحر مع إمكان درس تحديد السعر الأدنى فقط". ويشير إلى أن الوزارة تعمل لإعادة تجهيز رياض الأطفال الحكومية التي تخضع رسومها لضوابط تراعي الأوضاع الاجتماعية، وتتماشى مع الإمكانات المادية للطبقات الضعيفة والمتوسطة، وتضمن تعليماً مبكراً جيداً.
وتتراوح رسوم رياض الأطفال بحسب منظمات غير حكومية بين 50 و900 دينار (17.35 دولاراً و313.32 دولاراً)، في حين يبلغ متوسط الأجر الشهري في تونس نحو 300 دولار.
ويواجه الأطفال في تونس تهديدات التسرب المدرسي المبكر والفقر رغم تعدد التشريعات القانونية التي تضمن حقوقهم. ويرى كُثر أن واقع الطفولة لا يزال بعيداً عن الصورة التي تنقلها السلطات والمنظمات الحقوقية التي تتحدث عن ضمان مستقبل يعزز كرامة الطفل ويحفظ حقوقه الأساسية.
ويكشف تقرير حديث أصدره مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تونس "وجود فوارق اجتماعية ومعرفية حادة بين الأطفال ناجمة عن عدم التوصل إلى تحقيق الأهداف المرسومة في مجالات التنمية المستدامة لأفق 2030، من أجل مكافحة الفقر وتعزيز الصحة والتعليم ومجالات حياتية أخرى". ويورد التقرير بعنوان "تحليل وضع الأطفال في تونس"، أن "خمس أطفال تونس يعانون من الفقر".