عادةً ما تترافق الامتحانات الوطنية في تونس مع عادات وطقوس تتوارثها الأجيال، في محاولة للشعور بالراحة وجلب الحظ للتلاميذ خلال هذه الفترة، خوفاً عليهم من التعثّر أو الارتباك خلال إجرائها.
وتعدّ الامتحانات الوطنية، ولا سيما الباكالوريا، حدثاً سنوياً مهماً لدى الأسر التونسية التي تبدأ تحضيراتها لهذا الاستحقاق في وقت مبكر من العام الدراسي، من خلال دعم التلميذ المتقدّم لامتحانات الثانوية العامة بدروس التقوية والنصائح والمساندة النفسية، بالإضافة إلى الحرص على تغذية التلميذ جيداً خلال فترة المراجعة للامتحانات.
وخلال هذه الفترة، تبدأ عائلات يومها بتلاوة آيات قرآنية، وإعطاء التلميذ مصحف صغير الحجم لإبعاد الشر عنه، بالإضافة إلى تقديم النذور للأولياء الصالحين أو ما يصطلح عليه محلياً بـ"الوعدة"، وذلك من خلال وعد الولي الصالح بتقديم نذر طعام أو صدقة لصالح الفقراء في حال النجاح في الامتحانات.
كما تسقي الأمهات أبناءها ماء الزهر المخلوط بالسكر، ظناً منهن أنه يساعد التلاميذ على التركيز وبالتالي يمنحهم القدرة على تجاوز صعوبة الامتحانات. وتُعدّ الأغذية السكرية والفاكهة الجافة أساسية خلال هذه الفترة. وتَعدّ الأمهات "الزرير"، وهو خليط من الفاكهة الجافة المصنوعة أساساً من السمسم واللوز والفستق المخلوط بالعسل كونه يمنح الطاقة ويساعد على التركيز وعدم الإحساس بالجوع خلال فترة الاختبار.
وتقول المعلّمة المتقاعدة نفيسة الرباعي، إنّ العائلات التونسية ما زالت تتمسك بطقوس وعادات ترافق الإمتحانات على الرغم من اندثار بعضها، مشيرة إلى أنها تذكر أن جدتها كانت تشعل الشموع في غرفة التلميذ لدى مغادرته المنزل طيلة أيام الاختبارات، ظناً منها أن الشموع تضيء دروب العلم. تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد"، أنها حافظت على هذه العادة وما زالت تشعل الشموع لأحفادها أيام الامتحانات إيماناً منها بنور العلم الذي يتعيّن الحفاظ على توهجه مهما كانت ظروف التلاميذ الاجتماعية والاقتصادية.
ومن بين العادات التي اندثرت، أن تربط والدة أو جدة التلميذ يدها بقطعة قماش (غطاء الرأس) إلى حين عودة الأبناء أو الأحفاد، لتقاسم الفترة الصعبة معهم.
إلى ذلك، يقول الباحث زهير بن يوسف، إنّ الأهمية التي تكتسبها الامتحانات الوطنية لدى العائلات سببها اعتبار التعليم رافعة اجتماعية، مشيراً إلى أن امتحانات الباكالوريا تعدّ المدخل الرئيسي لعالم العمل، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للعائلات.
ويؤكد بن يوسف، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنّ المعبر الأساسي لهذه الرافعة الاجتماعية هو اجتياز امتحانات الباكالوريا، ما يعطيها هذه القيمة. ويشير إلى أن عادات التونسيين وطقوسهم الخاصة بالامتحانات تعكس تعلقهم بالمسار التعليمي لأبنائهم، الأمر الذي يفسر ارتفاع عدد التلاميذ الذين يبلغون المرحلة النهائية الثانوية بالمقارنة مع أولئك الذين يتخرجون من مرحلة التعليم العالي.
وأعلنت وزارة التربية هذا العام عن رقم قياسي لمجتازي امتحان الباكالوريا فاق الـ146 ألفا وهو ثاني أعلى معدل تسجله البلاد منذ سنة 1957.