تونس: مستشفيات الولادة "لا تطاق"

13 يونيو 2022
تواجه الخدمات الصحية في تونس انتقادات كبيرة (العربي الجديد)
+ الخط -

"كدت أن ألد وأنا أبحث واقفةّ عن طبيب توليد في بهو المستشفى. وكانت آلام الولادة أكبر من أن أنتظر إجابة أو أتشاجر مع مسؤول أو ممرض لإنقاذي مع جنيني. هذه الحال تكررت في كل مرّة ألد فيها. وأنا أعيد الكرّة علّ الأمور تتبدّل، لكنّ المعاناة تتكرر، والأمر لا ينحصر بي، فغالبية نساء المنطقة يواجهن نفس المصير، وقسم الولادات في المستشفى يخلو غالباً من أطباء متخصصين". 
هذا ما تخبره فاطمة لـ"العربي الجديد" عن تجاربها المؤلمة مع الولادة في منطقة تطاوين جنوبي تونس، التي تعاني من غياب أبسط المرافق الصحية الضرورية، وتشكو من سوء الخدمات الصحية وغياب الأطباء المتخصصين، مثل حال مناطق عدة. تضيف: "لا يتعلق الأمر فقط بغياب أطباء توليد، بل بسوء معاملة الطاقم شبه الطبي للنساء حين يعجز أفراده عن استيعاب غالبية الحالات المستعجلة التي تُحوّل غالباً إلى مناطق مجاورة للعلاج أو الولادة. والأزمة على حالها منذ سنوات، وغالبية النساء يواجهن نفس المصير على صعيد سوء المعاملة وخطر الوفاة في أي لحظة بسبب الولادة" .
تواجه الخدمات الصحية انتقادات كبيرة من مواطنين في معظم مناطق تونس تتعلّق غالبيتها بغياب أطباء متخصصين في المستشفيات، وعدم توفر تجهيزات، والتعرض لسوء المعاملة في أقسام الولادات فيها.  
ولا تتحدث كثيرات عن العنف وسوء معاملة داخل هذه الأقسام. ويفضل بعضهن الصمت خوفاً من تكذيبهن، وتكتفي أخريات بنشر أخبار معاملتهن في أقسام الولادات على مواقع التواصل الاجتماعي، ونقل ما يسمعنه من كلام وشتم وعنف لفظي. وقد اختارت قليلات نقل الوقائع بلا خوف إلى وسائل إعلام. 

وكانت الفاجعة الأكبر في تونس شهدها قسم الولادات بمستشفى الرابطة في العاصمة عام 2019، حين توفي 12 رضيعاً في نفس اليوم. وأججت المأساة الشارع الذي طالب بفتح تحقيقات جدية في أسباب الوفيات، وتحسين الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية. لكن الشكوك بخدمات أقسام التوليد لا تزال تُطرح في غالبية المناطق، بسبب غياب الطاقم الطبي المتخصص أو معاناته من نقص، ومشاكل الاكتظاظ وكثرة الأوساخ وسوء المعاملة والعنف اللفظي.

تقول فاطمة إنّ "تجربة الولادة مرعبة جداً في حدّ ذاتها، وتحتاج فيها المرأة إلى عناية خاصة ومعاملة نفسية معيّنة تساهم في تخفيف آلامها، لكن كلّ ذلك لا يتوفر في أقسام الولادة بمستشفيات تونس، خاصة من قبل القابلات القانونيات اللواتي يشرفن على عمليات الولادة. وأذكر أن ممرضة صرخت مرة لمنعي مع نساء حوامل أخريات من الصراخ بسبب آلام الولادة، رغم أنّ الأمر خارج عن إرادتنا".

لا تسفر التحقيقات بشكاوى النساء عن نتائج (العربي الجديد)
لا تسفر التحقيقات بشكاوى النساء عن نتائج (العربي الجديد)

تضيف: "خلال ولادتي الأخيرة، كان المستشفى مكتظاً بنساء حوامل، وبعضهن بلغن مراحل بتن فيها غير قادرات على الانتظار، فارتفع صراخ أفراد الطاقم الطبي غير القادر على توليد النساء في ذات الوقت، وهم يعرفون أن غالبية هؤلاء النساء لا يستطعن الولادة في مصحات خاصة أسعارها مرتفعة. وتدل هذه الواقعة على أن المستشفيات العمومية لم تعد تُطاق بسبب سوء المعاملة فيها". 
وبين حوادث العنف التي واجهتها نساء، اضطرار إحداهن إلى الولادة في سيارة بعدما تعرّضت لسوء معاملة من قابلة قانونية في مستشفى بمحافظة منوبة، التي فتح مسؤولوها تحقيقاَ إدارياً في مزاعم المرأة بأنها شتمت وأهينت، ما اضطرها إلى مغادرة المستشفى. كذلك أهان طاقم شبه طبي امرأة أخرى خلال ولادتها في مستشفى بالعاصمة، ما دفعها إلى تقديم شكوى للمطالبة بفتح تحقيق في ما حصل. لكن غالبية هذه التحقيقات لا تسفر عن نتائج. 

ويوضح عضو الجمعية التونسية لطب الطفل الدكتور محمد الدوعاجي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "عدد الولادات مرتفع جداً، ولا يقابله توفر عدد كافٍ من أفراد الكوادر الطبية من أجل استيعاب عدد النساء الحوامل في المستشفيات. وعلى سبيل المثال، يستقبل قسم الإنعاش وحديثي الولادة في مستشفى الرابطة بالعاصمة 15 ألف ولادة سنوياً، في حين لا يعمل فيه إلا 5 أطباء توليد، وهو عدد لا يكفي لتوفير الخدمات الصحية اللازمة في القسم، علماً أن المستشفيات تحتاج إلى دعم الطاقم الطبي في كل الاختصاصات". 
وتشير دراسة أعدها مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث أن نحو 80 امرأة يُتوفين من 200 ألف ولادة في تونس سنوياً، وأن 90 في المائة من الولادات تحصل في المستشفيات الحكومية، لكن 14 ألف مولود تنجبهن نساء في البيوت. وتؤكد نقص أطباء التوليد في المستشفيات العمومية، وارتفاع كلفة الولادة التي لا تستطيع أن تتحملها عائلات كثيرة. 

المساهمون