كشف تقرير للأمم المتحدة صدر حديثاً أنّ شخصاً واحداً يهاجر من تونس كلّ 131 دقيقة، فيما يرتفع حاصل الهجرة اليومي في البلاد إلى 11 شخصاً، مرجّحاً أن تعيش تونس على وقع تهرّم السكان بعد ثلاثة عقود. وأوضح التقرير أنّ البلاد ستعاني من صافي الهجرة السلبية سنوياً، وأنّ معدل الإنجاب لن يتجاوز 2.2 مولود لكلّ امرأة في العقود الثلاثة المقبلة، مؤكداً أنّ هذَين العاملَين سيستمرّان ويسبّبان تخفيض معدّل النمو السكاني حتى يصل إلى صفر، علماً أنّ عدد السكان يبدأ بالانخفاض بعد عام 2058.
ولفت التقرير الأممي إلى أنّ النموّ السكاني في تونس سيبلغ ذروته في عام 2058 مع 13.96 مليون نسمة، ليبدأ بعد ذلك بالانخفاض ببطء ويصل إلى 13.01 مليون نسمة بحلول عام 2099.
وبيّن التقرير أنّ الهرم الديمغرافي (السكاني) في تونس يتّجه نحو التشيّخ، غير أنّ المجتمع لم يستفد عموماً من نجاح السياسة الديمغرافية التي اعتمدتها البلاد منذ ستينيات القرن الماضي، فهيمنة السكان النشطين في المرحلة العمرية ما بين 15 و59 عاماً لم تحقّق النمو الاقتصادي المرجوّ.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في السياسات التنموية في جامعة تونس خالد النوري إنّ "التهرّم السكاني في تونس سيؤدّي إلى ضغط على المرفق الصحي العام والمرافق التي تُعنى بكبار السنّ وستسبّب تغيّرات كبيرة في المنظومة التعليمية بسبب نقص في عدد التلاميذ". يضيف النوري لـ"العربي الجديد" أنّ "تشيّخ السكان وتواصل نزف الهجرة سيؤثّران في السنوات المقبلة بالأسر التونسية التي ما زالت تحافظ على نموذج العائلة التقليدي"، لافتاً إلى أنّ "ظواهر جديدة ستبرز في المجتمع التونسي، من بينها عيش الأفراد بمفردهم ولجوء أكبر إلى دور رعاية كبار السنّ".
ويوضح النوري أنّ "السياسة السكانية في تونس لم تعد واضحة مثلما كانت في العقود السابقة بسبب ضعف التخطيط والاستشراف وفقدان المؤسسات التي أدّت دوراً في التنظيم الأسري، في رسم السياسة السكانية المستقبلية للبلاد". ويتابع أنّ "ثمّة دعوات متزايدة منذ سنوات للتحليل المتعمّق لتأثيرات التحوّل الديمغرافي في تونس، ولا سيّما في ما يتعلق بالشيخوخة التدريجية للسكان وانخفاض سنّ الزواج لكلا الجنسَين وامتداد العزوبة"، مشيراً إلى أنّ "المهاجرين هم القوّة الحيّة التي تفقدها البلاد".
ويلفت النوري في الإطار نفسه إلى أنّ "معدّل خصوبة النساء في تراجع، وهو يبلغ حالياً 2.2 مولود لكلّ امرأة"، مرجّحاً "استمرار هذا المعدّل في التراجع بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمرّ بها التونسيون، الأمر الذي يزيد من تراجع القوى العاملة والمنتجة للثروة في العقود المقبلة".
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد سكان تونس يبلغ حالياً، بحسب أحدث بيانات الأمم المتحدة، 12 مليوناً و25 ألفاً و818 نسمة، فيما يتوقّع التقرير وصول عدد السكان في الأوّل من يوليو/تموز 2022 إلى 12 مليوناً و46 ألفاً و656 نسمة. وبحسب ما تفيد بيانات تقرير الأمم المتحدة بأنّ نسبة النمو السكاني لم تتجاوز 1.06% ما بين عامَي 2019 و2020، وتُعَدّ محافظة تونس العاصمة الأكثر استقطاباً للسكان مع 693 ألف نسمة، تليها محافظة صفاقس مع 277 ألفاً.
وفي ستينيات القرن الماضي، قدّمت الحكومة التونسية أوّل برنامج لتنظيم الأسرة في أفريقيا للحدّ من النمو السكاني من أجل تحسين التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويشير خبراء وباحثون في سياق متصل، إلى أنّ السياسات الاجتماعية والاقتصادية فشلت في الاستفادة من العائد الديمغرافي، مع التأكيد أنّ انعكاس المنحنى الديمغرافي ستكون له تداعيات ضارّة على النمو وعلى الوضع والصناديق الاجتماعية.
من جهة أخرى، كشفت دراسة صادرة عن وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ أنّ المؤشّرات الديمغرافية تدلّ على تراجع مرتقب للأطفال من الفئة العمرية ثلاثة - خمسة أعوام بنسبة 18% في عام 2030 مقارنة بعام 2020.