لا يقتصر سوء الخدمات الطبية في تونس على نقص الأطباء والتجهيزات، إذ تشكو مؤسسات صحية في مناطق عدة من قلة عدد سيارات الإسعاف التي تنقل مرضى إلى مؤسسات صحية أخرى، أو إلى مناطق مختلفة من أجل تلقي العلاجات التي لا تتوفر في أماكن وجود المرضى بسبب غياب الأطباء، أو عدم وجود أجهزة طبية.
في محافظة تطاوين (جنوب)، احتاجت ربيعة (36 سنة) إلى سيارة إسعاف لنقلها إلى مدينة صفاقس من أجل إجراء عملية ولادة قيصرية، لكن سوء حظها جعلها تواجه مشكلة انشغال سيارة الإسعاف الوحيدة المتوفرة في نقل مريض آخر، ما اضطرها إلى الانتظار ساعات، علماً أن مسافة 230 كيلومتراً تفصل بين المدينتين.
تقول ربيعة لـ"العربي الجديد": "أبلغني طبيبي مسبقاً بأنّني سأضطر إلى الولادة عبر إجراء عملية قيصرية، لكنني عشت في نهاية المطاف تجربة صعبة بعدما تحمّلت آلام المخاض أكثر من ست ساعات قبل أن تصل سيارة الإسعاف".
وسبق أن احتجّ أهالي محافظة تطاوين مرات على تدهور وضع الخدمات الصحية في مناطقهم، ونقص الأطباء المتخصصين، وعدم توفر تجهيزات حتمت أحياناً انتقالهم إلى مناطق أخرى لتلقي العلاج، وكذلك من عدم توفر سيارات إسعاف ما جعل السلطات الصحية غير قادرة على نقل المرضى إلى المستشفيات أو إلى مناطق أخرى، أو حتى جلب أدوية من العاصمة، أو نقل تحاليل تحتاج إلى ظروف تخزين معيّنة.
وكان وزير الصحة علي مرابط أشرف أخيراً على تسليم السلطات الصحية في تطاوين هبة ثلاث سيارات إسعاف وشاحنة مجهزة لنقل الأدوية قدمتها المنظمة الدولية للهجرة بتمويل من وزارة الشؤون الخارجية الإيطالية.
وعلى غرار المستشفى العام في مدينة تطاوين تشكو غالبية المؤسسات الصحية في المناطق التونسية من أزمة عدم توفر سيارات إسعاف لنقل المرضى. وطالب مصابون بقصور كلوي يتعالجون في قسم تصفية الدم في المستشفى العام بمدينة توزر (جنوب) بتأمين سيارة إسعاف لنقلهم من منازلهم إلى مركز العلاج، بعدما حرموا لأشهر من هذه الخدمة، علماً أن هؤلاء المرضى يتكبدون مشقة التنقل ثلاث مرات في الأسبوع من مناطق محيطة بالمدينة التي تضم مركزاً وحيداً لتصفية الدم، ويشكو بعضهم من صعوبة التنقل باستخدام وسائل النقل العام في ظل تدهور أوضاعهم الصحية.
ويقول نور الدين بن ضيف الله، أحد مرضى القصور الكلوي، لـ"العربي الجديد": "أستخدم النقل العام للانتقال من منطقتي الريفية التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن المدينة، إلى مركز تصفية الدم وسط مدينة توزر، وأكرر رحلتي الشاقة ثلاث مرات أسبوعياً لإجراء حصص تصفية الدم. وكانت سيارة إسعاف تنقل من يعانون من مشاكل صحية كبيرة، لكن هذه الخدمة توقفت بسبب نقص هذه السيارات في المنطقة".
كذلك احتج سكان منطقة في محافظة القصرين على نقص سيارات الإسعاف، واستعمال مستشفى المنطقة سيارة الإسعاف الوحيدة المتوفرة لتقديم الخدمات الصحية، ونقل الحالات العاجلة إليها، ما يعني أن هذه السيارة تقدم خدمات لأكثر من 20 ألف ساكن.
من جهته، يشير مدير الإدارة الصحية في المنطقة عبد الغني الشعباني، في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "سلطات المنطقة راسلت وزارة الصحة التي تعهدت بتعزيز أسطول سيارات مستشفيات المنطقة، علماً أن وزارة الصحة نفسها أكدت مرات تلقيها مساعدات من منظمات دولية بينها عدد مهم من سيارات الإسعاف، فيما أعلنت وزيرة الصحة السابقة سميرة مرعي بعد زيارتها مستودع العتاد التابع لوزارة الصحة في تونس العاصمة عام 2016، عدم استفادة السلطات لسنوات من عدد كبير من سيارات الإسعاف التي كانت مركونة في المستودع، ثم نشرت نفسها صوراً أظهرت الحالة السيئة لهذه السيارات التي اكتساها الغبار رغم أنها جديدة. وأكدت حينها أنّها ستوزع هذه السيارات على المستشفيات، لكن الإجراءات تعطّلت بسبب تعقيدات إدارية، ما أثار انتقادات واسعة للسلطات التي اتهمت بسوء الإدارة والتصرف.
وتتولى سيارات الحماية المدنية غالباً مهمة نقل مصابين تعرّضوا لحوادث طرقات أو حوادث في العمل أو حرائق أو إصابات داخل المنزل إلى المستشفيات، لكن تنفيذ هذه المهمات بين مستشفيات يواجه مشكلة نقص سيارات الإسعاف، ما يجعل بعض المرضى يستخدمون النقل العام، علماً أنّ عدداً كبيراً منهم واجه مشاكل هذا النقص خصوصاً خلال فترة تفشي وباء كورونا.